الضامن للفترة الانتقالية .. حاكمية فصل السلطات!!

في أغسطس من العام 2019 حسم الجدل ورشح قادة الثوار د.عبد الله حمدوك الخبير الاقتصادي في الأمم المتحدة لتولي منصب رئاسة الوزراء في المرحلة الانتقالية، وذلك بموجب صلاحيات يخولها لهم الإعلان الدستوري الموقع في الرابع من أغسطس بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير. ويومها أعلن تجمع المهنيين السودانيين أيقونة الثورة السودانية ترشيح د.عبد الله حمدوك كأول رئيس وزراء في المرحلة الانتقالية ، وقال التجمع في بيان نشره على صفحته الرسمية على فيس بوك “اتفقت هياكل قوى إعلان الحرية والتغيير الخاصة بتشكيل السلطة الانتقالية المدنية المرتقبة على تولي الدكتور عبد الله حمدوك لمنصب رئيس مجلس الوزراء للفترة الانتقالية الممتدة لثلاث سنوات وثلاثة أشهر”. كما تضمن البيان “سنقدم كل الدعم الممكن للدكتور حمدوك مع التأكيد على دورنا الرقابي خلال الفترة الانتقالية نحو الديمقراطية الكاملة”.

ألقى رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، أول خطاب للشعب السوداني، عقب أدائه اليمين الدستورية في ذات الشهر وقال :”الحرية والسلام والعدالة هي برنامجنا” وتابع “شعب السودان قاد أعظم ثورة في التاريخ المعاصر”. وأردف ” أولويتنا بناء السلام المستدام، والعمل على بناء نظام تعددي ديمقراطي”. والتمثيل العادل للنساء “حق مستحق”، مضيفا “كما أنه ينبغي إعادة الثقة في القطاع المصرفي الذي يشرف على الانهيار”.وأوضح إن سياسة حكومته ستكون الانفتاح على وسائل الإعلام. وأشار حمدوك إلى أن “إيقاف الحرب وتحقيق السلام، هي من أولويات حكومته الأولى”. و”هدفنا بناء اقتصاد وطني يقوم على الإنتاج ومعالجة الأزمة الاقتصادية الطاحنة، لكي لا يعتمد السودان على الهبات”.واستطرد “سنعطي الأولوية لبناء دولة القانون والعدل، وسنعمل على بناء نظام ديمقراطي نحترم فيه الاختلافات”. وقال حمدوك “هناك قضايا في السودان لا يمكن المساومة بشأنها مثل معالجة الفقر ومجانية التعليم والصحة”. وأتم بقوله”سأكون رئيس وزراء لجميع السودانيين… التركة ثقيلة لكن مع إجماع الشعب السوداني نستطيع العبور إلى بر الأمان”.

صراع مكتوم
منذ تولي رئيس الوزراء عبدالله حمدوك لمهامه بشكل رسمي في اغسطس من العام الماضي- تجده يخوض صراع منفجر ومكتوم حول تغول المجلس السيادي واعضائه بشقيهم المدني والعسكري على مهام السلطة التنفيذية. شهدنا هذا الأمر أكثر من مرة سواءً كان في تبعية بنك السودان للسلطة التنفيذية أو في قضية التطبيع مع اسرائيل، التي أُقحمت في مفاوضات رفع اسم السودان من قائمة الارهاب، وكانت محصلة للقاء رئيس مجلس السيادة (البرهان) مع رئيس الوزراء في عنتيبي في فبراير الماضي، وتداعت إلى أن تحولت إلى كرت ضغط وابتزاز في اللحظة الاخيرة من قبل ادارة ترامب على حكومة حمدوك، مقابل فك الحصار الاقتصادي الخانق على السودان، ولا ننسى أيضاً الصراع حول تبعية هيئة الاتصالات الذي لا يزال محتدماً بشكل صامت بين المجلسين، أو تصريحات الفريق كباشي والتي وردت فيها اشارات غير مقبولة، بل مخالفة بشكل صريح لنص الوثيقة الدستورية عن سلطات رئيس الوزراء وعلاقته بملف السلام، بل وحتى الاستدعاءات واللقاءات والتقارير التي يطلبها بعض أعضاء مجلس السيادة من الوزراء والجهاز التنفيذي دون أن تكون لهم صلاحية في ذلك.

التباين الأخير
أخيراً برز التباين واضحاً في تكوين مجلس شركاء الحكم والذي اضطر رئيس الوزراء فيه للخروج إلى العلن بشكل واضح مذكراً بموقفه في – قضية تبعية بنك السودان- ليعلن رفضه لقرار برهان المعلن بتشكيل مجلس شبيه بمجلس تشخيص مصلحة النظام الايراني الذي يشكل هيئة سلطوية فوق أجهزة الدولة. وبالطبع ما كان حمدوك والذي عمل خبيراً في الأمم المتحدة المتحدة لعقود ويعمل، أهمية وضوح وتمييز مهام وسلطات الاجهزة ليقبل بمثل هذا النمط الشمولي في ادارة الدولة. فمثل هذا المجلس بالسلطات التي منحها له قرار التكوين المنسوب لرئيس مجلس السيادة يشكل دعوة صريحة لديكتاتورية جديدة بسلطات شبه مطلقة.

وبينما يبدو مفهوما – من واقع اشرافه ومسئوليته على السلطة التنفيذية، وضرورة تسيير الاعباء الحياتية اليومية – حرص رئيس الوزراء على عدم خروج هذا الصراع بشكله المتفجر إلى السطح، وحرصه على استمرار شكل من اشكال التوافق، يضمن انسياب دولاب الحياة اليومية في البلاد وعدم تضرر المواطنين من الصراع السياسي، خصوصا في ظل تمكن مجلس السيادة من الآلة العسكرية والأمنية للبلاد، فإن ما هو غير مفهوم تماماً هو موقف القوى السياسية المكونة للحاضنة السياسية. فقوى الحرية والتغيير تحاول دائماً وضع رئيس الوزراء الذي رشحته واختارته أمام الامر الواقع. ويبدو ذلك جليا في عدد من المواقف واخرها موضوع مجلس الشركاء.. والمحمود لها أنها تراجعت عن موقفها الاول ودعمت موقف مجلس الوزراء بعد خروج موقف حمدوك للعلن والصدى الحسن الذي استقبله به الشارع في محاولة محمودة منها للعودة إلى الخيار الدي تدعمه الجماهير.

أما المستغرب الثاني فهو هجوم أفرادها بشكل دوري وفي كل خلاف على رئيس الوزراء، وعلى السياسيين الأقوياء في مكتبه وبالتحديد كبير المستشاريين السيد/ الشيخ خضر و د. أمجد فريد وأحياناً الاستاذ فائز السليك وداليا الروبي، كلما برز اختلاف في الآراء بين الحرية والتغيير ورئيس الوزراء الى العلن، محاولين ابتزازهم باثارة الرأي العام وتضليله بالحقائق المنقوصة والاكاذيب الكاملة، في هجمة يتلقاها الاعداء العقائديين من معسكر النظام القديم بالترحاب والترويج والتهليل، دون ان تنتبه اجهزة الحرية والتغيير الرسمية – أو لعلها تبارك ذلك من طرف خفي- إلا إنهم بذلك يضعفون الصف المدني ويصبحون كمن يطلق الرصاص على قدميه.

فرئيس الوزراء – ومعه مستشاريه بطبيعة الحال – هو رأس الرمح في التحول المدني وارساء قواعد حكم دولة المؤسسات خلال هذا الانتقال، والانتقاص منه ومن سنده الجماهيري بأي مبررات كانت هو ردة للوراء وتراجع إلى الخلف وتقوية للطرف الاخر.

المعادلة المطروحة
إن المعادلة التي طرحها رئيس الورزاء في مطلع الفترة الانتقالية حول الشراكة مع المكون العسكري، ينبغي أن تكون في غاية الوضوح للجميع. السودان خرج ببوابة ثورة ديسمبر المجيدة من حكم عسكري استمر لمدة ثلاثين عاما، تعسكرت فيه الدولة واجهزتها إلى أن انحازت قيادة الموسسة العسكرية لصالح التغيير الذي قادته الجماهير. فسقط نظام البشير والمؤتمر الوطني. إلا أن رحلة بناء النظام السياسي الجديد للدولة في السودان هو معركة أخرى ومرحلة جديدة، قد لا تصح فيها نفس الحسابات السابقة. وعليه إذا كان ينبغي الحفاظ على دور المنظومة العسكرية وافرادها الذين انحازوا للتغيير في اعادة هيكلة وتركيب جهاز الدولة دون السماح لهم بالتغول على طبيعتها المدنية والهيمنة عليها. وهذا الأمر يحتاج إلى وضوح المواجهات والنقاشات حتى وإن غابت علنيتها في مراحلها الاولى وليس إلى الهرولة للمناصب والترضيات بخلق اجسام متعددة بسلطات مشوهة وغير محددة المعالم. من الواضح أن المعركة الحالية حول مجلس شركاء الفترة الانتقالية، تؤكد أن حمدوك لم يجد طريقاً للعودة إلى الجماهير التي أبحر عنها بعيداً في الأيام الماضية ، وبالتالي لا بديل أمام البرهان سوى احترام مدنية الثورة وفق الطريقة التي حددتها الوثيقة الدستورية .

الخرطوم: أشرف عبدالعزيز
صحيفة الجريدة

Exit mobile version