الشعب السوداني فجر ثورة ديسمبر المجيدة واقتلع نظام الحركة الإسلامية لأنه وصل الى آخر مرحلة من الإحباط واليأس وفقدان الأمل في أن يعيش حياة كريمة، وحقيقة انتظر فترة طويلة وصبر لدرجة أن النظام المخلوع تيقن أنه لن يتحرك فاستعبده، وحين ثار كان هدفه أن يأتي بحكومة جديدة قادرة على إزالة ذلك الإحباط واليأس بمعالجة الأزمات الملحة مثل أزمة الخبز والوقود والمواصلات وحسم الفوضى المسيطرة على الأسواق والتفلت الأمني وتحسين مستوى الصحة وهي أهم أسباب الضيق، ولكن هذا لم يحدث في ظل الحكومة التي جاءت بها الثورة، بل ازدادت الأزمات وتعقدت الأمور أكثر وتسلل اليأس والإحباط مرة أخرى الى نفوس المواطنين بعد أن أزالتهما ثورة ديسمبر وزرعت مكانهما آمالاً عريضة.
حكومة الفترة الانتقالية اختارها تجمع قوى الحرية والتغيير الذي وصف بأنه أكبر تجمع سياسي يشهده تاريخ السودان ورغم ذلك جاءت ضعيفة، وانطبق عليها مقولة تمخض الجمل فولد فاراً، لم تستطع معالجة ولو أزمة واحدة بل لم تستطع حتى المحافظة على الوضع السيىء الذي وجدته كي لا يزداد سوءا وشاركنا المسئولية الجيش وهو أصلا المسئول عما نحن فيه تاريخيا، وكما يقول المثل(جبناهم فزع بقو لينا وجع )، رغم أن الشعب لم يقصر وقدم النصح والإرشاد وتشخيص المشاكل والعلاج وشجع الحكومة بكل قواه، ولكن لا حياة لمن تنادي، وهي في هذا لم تختلف عن حكومة النظام المخلوع .
الأسبوع الماضي قال عضو المجلس السيادي محمد الفكي سليمان إن هناك حالة عدم رضا تام عن أداء الحكومة يجعلنا نعيد النظر مرة أخرى في إعادة تشكيل الحكومة وهذا هو الاتجاه الذي يتم المضي فيه حالياً، وإن الفرصة جاءت بقدوم شركاء العملية السلمية، وهم شركاء في كافة هياكل الحكومة ومنخرطون معنا في النقاش حول إعادة تشكيل الحكومة بأكملها في مجلس السيادة ومجلس الوزراء وعلى مستوى الولايات، وأن هذا يُعطيهم فرصة كبيرة لمُراجعة الأخطاء.
للأسف ما قاله محمد الفكي لا يفرح بل يزيد اليأس والإحباط، لأن المشكلة ليست في إعادة تشكيل الحكومة وإنما في الذين سيتم اختيارهم. في التشكيل الأول كانت هناك فرصة تاريخية ممتازة لاختيار وزراء لهم القدرة على التغيير، ولكن قوى الحرية والتغيير والسادة العسكر ارتضوا لنا حكومة محاصصات واختاروا وزراء أغلبهم غير مؤهلين للعمل كوزراء رغم سيرهم الذاتية العظيمة، وفي الحقيقية ليس كل صاحب سيرة ذاتية عظيمة يمكن أن يكون وزيراً ناجحاً في دولة معاقة، إذ يفضل أهل التجربة ومن لهم علاقة بالواقع المعاش، فمثلا إن اختير لوزارة الصحة طبيب من الأطباء المحبوبين المعروفين بالشجاعة والعمل ونكران الذات وما أكثرهم لما تدهورت الأحوال الصحية ووصلت الى الوضع المخجل الحالي وقس على ذلك .
عموما تحتاج الحكومة الانتقالية لطريقة تقلب بها الموازين وتسيطر على الموقف الذي ينذر بانفجار من نوع آخر، يجب أن تتوقف عن المضي في نهج النظام المخلوع، فهي فتحت الباب أمام أسوأ التوقعات، والشعب ليس مستعدا للتورط مرة أخرى في دوامة اليأس والإحباط
أسماء جمعه – صحيفة السوداني