ليس ثمة من شك في أن محاولة أي كاتب، مهما كانت درجة براعته و إمتلاكه ناصية الإبداع، الدخول في عالم الحبيب الإمام الصادق المهدي بغية تناول سيرته و مسيرته الحياتية ستصطدم، أي المحاولة المعنية، بصخرة بل صخور هذا العالم الصلدة إن لم تتكسر عندها. ذلك أن الحبيب الإمام قد كرّس حياته لخدمة وطنه و أمته و الإنسانية جمعاء من خلال النشاط الفكري و السياسي و الثقافي الواسع الذي إستغرق كل وقته، الأمر الذي يصعب معه سبر أغوار هذا النشاط.
على صعيد الصفات الشخصية يعد الإمام عطر السيرة، متفرد الخلال و سمح السجايا: خلوقا، متواضعا، عف اللسان، كريما، متسامحا، و هاشا باشا على الدوام. كما يعد رجلا (إجتماعيا) من الطراز الأول حيث كان يحرص على مواصلة الناس في أفراحهم و أتراحهم و مناسباتهم المختلفة. و هو، من بعد، معروف بروح الدعابة و الطرفة المتأصلتين فيه. و بطبيعة الحال فإن من الصعوبة بمكان حصر الشواهد على هذه الشيم السمحة. و من المعروف عن الإمام أنه ظل، طوال فترات حكمه، يستخدم سيارته الخاصة و يشتري الصحف من حسابه حيث يطلع عليها و هو في طريقه لمكتبه بمجلس الوزراء، حرصا منه على وقت الحكومة و حفاظا على نظافة يده و جيبه من المال العام. و لا شك في أن هذه السلوكيات تمثل النذر اليسير من الصفات العديدة للحبيب الإمام التي تبرهن على إتصافه بالخلال آنفة الذكر.
كما يعد الإمام ، على مستوى الوعي و الإستنارة، موسوما بالموسوعية الفكرية و السياسية و الثقافية و الأدبية و خلافها و ذلك على نحوٍ إنتظم جل حياته و صبغها بالتفرد.
أما على مستوى البذل و العطاء فإن تاريخه يحدّث عن مسيرة حافلة بالعطاء الوطني و الإقليمي و الدولي الممتد الذي إنتظم العديد من المجالات. و ليس أدل على ذلك من الإرث السياسي و الفكري و الثقافي و الأدبي المستنير الذي تركه و الذي زحم الفضاءات قوميا و إقليميا و دوليا، ذلك الإرث المتجلي عبر مؤلفاته الكثر التي تؤكد على أنه كان قامة سامقة و رجلا فوق العادة. و مما لا شك فيه أن مقولة د. حمدوك التي ذهب فيها الى أنه (برحيل الإمام الصادق فقد إنطفأ قنديل من الوعي يحتاج إشعاله لآلاف السنين)، مما لا شك فيه أن هذه المقولة تؤكد بجلاء على تفرد الإمام و سموقه و علو كعبه على أكثر من صعيد.
و من المؤكد أن الدور السياسي الوطني الذي لعبه الإمام الصادق خلال تاريخه السياسي قد أسهم إسهاما كبيرا و مقدرا في مساعي توطين و إرساء دعائم الحكم الديموقراطي بالسودان من خلال فكره السياسي النابه الذي رفد به الساحة السياسية بالبلاد و الذي تجلى عبر مؤلفاته العديدة و نشاطه السياسي الواسع و تنظيره العبقري في هذا المضمار. حقيقة الأمر أن الإمام الصادق ظل يكرس جهده و يبذل كل ما في وسعه في سبيل توطين و ترسيخ الديموقراطية بالسودان قناعةً منه بأنها تمثل نظام الحكم الأمثل. و تعد جهوده في هذا الصدد، دون ريب، جد مقدرة حيث قدّم من خلالها عصارة فكره و تجاربه الثرة التي مثلت ركنا ركينا في صرح الديموقراطية، ما يؤهله، بحق، لأن يكون الأب الروحي للديموقراطية في السودان.
مجمل القول فقد جعل الإمام همه الأول و محور إهتمامه خدمة قضايا الديموقراطية و التنمية و التأصيل الاسلامي في السودان، و ظلت جهوده في هذا الصدد متواصلة حتى لقى ربه.
و فوق ذلك فقد لعب الإمام دورا طليعيا و رائدا من أجل تطوير حزب الأمة و الإرتقاء به تنظيميا و سياسيا حتى غدا كياناً حزبياً يقف على أرضية صلبة يعول عليها في ترسيخ و إرساء دعائم الديموقراطية في السودان. علاوةً على ذلك فقد لعب دورا مقدرا آخر في إمامة الأنصار من خلال نشاطه الديني الإيجابي و المفيد.
كما كان عطاؤه الفكري العام و كذا عطاؤه الديني و الثقافي و الأدبي و غيره يحدّث عن نفسه حيث تجلى عبر مؤلفاته و مشاركاته العديدة في المؤتمرات المتنوعة و الندوات و المحاضرات و ورش العمل المختلفة و غيرها.
و قد درج الإمام الصادق المهدي على التأليف حيث ألّف عددا كبيرا من المؤلفات التي غطت الكثير من الجوانب منها، على سبيل المثال لا الحصر:
مسألة جنوب السودان.
جهاد من أجل الاستقلال.
يسألونك عن المهدية.
العقوبات الشرعية وموقعها من النظام الإسلامي.
تحديات التسعينات.-
الديمقراطية عائدة و راجحة.
الجدير بالإشارة أن ما واجهه الإمام الصادق من محن و إبتلاءات من إعتقالات و غيرها، من قبل الحكومات الشمولية لم يثنه عن مواقفه المبدئية و لم يحل دون جهاده المدني و نضالاته، حيث ظل وفيا لها، ثابتا على مبادئه، مضحيا بالغالي و النفيس من أجل ثوابته، لم تلن له قتاة و لم تثبط له همة بل ظل متماسكا، قويا و عاقدا العزم على بلوغ المرام و تحقيق الأهداف و الغايات. و قد أكسبه هذا إحترام و تقدير الناس له مع تثمينهم لمواقفه هذه.
من ناحية أخرى فقد تقلد مناصب و مواقع عديدة خلال تاريخه السياسي، منها:
رئيس الجبهة القومية المتحدة في الفترة من 1961- 1964م.
أنتخب رئيسا لحزب الأمة في نوفمبر 1964م.
أنتخب رئيسا لوزراء السودان في الفترة من 25 يوليو 1966- مايو 1967م.
رئيس الجبهة الوطنية في الفترة من 1972- 1977م.
أنتخب رئيسا لحزب الأمة القومي في مارس 1986م.
أنتخب رئيسا لوزراء السودان في الفترة من 1986- 1989م.
رئيس مجلس إدارة شركة الصديقية.
رئيس حزب الأمة القومي المنتخب في أبريل 2003م.
إمام الأنصار المنتخب في ديسمبر 2002م.
بجانب هذا يعتبر الإمام الصادق أحد النخب المعروفة و الأنتلجنسيا على المستوى الدولي كونه يعد مفكرا و مثقفا ظل يشارك في الكثير من المؤتمرات و المنتديات الدولية بجانب عضويته في و رئاسته لبعض هذه المنتديات. و قد كان عطاؤه الفكري و الإسلامي و الثقافي و السياسي الدولي مشهودا و محل تقدبر دولي. كما كانت مشاركاته و إسهماته الدولية المتنوعة بارعة و ملهمة، سارت بها الركبان و تركت بصمات واضحة بل ظلت محفورة في الذاكرة الدولية.
و قد كان أيضاً:
عضو في المجلس العربي للمياه.
عضو في نادي مدريد.
عضو في المؤتمر القومي الإسلامي بيروت.
عضو سابق في المجلس الإسلامي الأوروبي، لندن.
عضو سابق في مجلس إدارة دار المال الإسلامي، جنيف.
عضو سابق في جماعة الفكر والثقافة الإسلامية، الخرطوم.
عضو مجلس أمناء المؤسسة العربية للديمقراطية.
و بعد … هذه شذرات تمثل النذر اليسير من سيرة و مسيرة الإمام الصادق المهدي العامرة بالفكر و الإجتهاد و الأعمال الجليلة و المحتشدة بالنشاط واسع النطاق الذي حفل به سجله الحياتي و سجّله التاريخ الإنساني بأحرف من نور.
فالله دره من قامة قل أن يجود الزمان بمثلها.
له الرحمة و المغفرة
محمد حمد مفرح – صحيفة التحرير