حسين خوجلي يكتب: (الشوك والتين في حضرة كوڤيد ناينتين)

“عسى أن تكرهوا شيئا”
وللذين يجزعون من المرض ويتضايقون من نقص العافية ويظنونه شراً محضاً فليقرأوا هذا الحديث الذي يمنح المرض فكرة، ويمنحنا ثقة وأنه في أصله ابتلاء يرفع درجاتنا في الجنان وهي كما يقول أحد اصدقاؤنا أنها من جملة الأحاديث العذبة.
فقد روي عن عبدالله بن أنس رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أيكم يحب أن يصح جسمه فلا يسقم؟ فقالوا: كلنا يا رسول الله. قال أتحبون أن تكونوا كالحمير الصوالة، ألا تحبون أن تكونوا أصحاب بلايا وأصحاب كفارات؟ والذي بعثني بالحق نبيا، إن الرجل لتكونن له الدرجة في الجنة فلا يبلغها بشي من عمله، فيبتليه الله تعالى ليبلغ درجة لا يبلغها بعمله)

“روشتة”

ومن استعمالات الطب النبوي التي رأيت أهلي الأشراف بالشرفة يتداوون بها الماء البارد عند الحمى وله أثر متصل في كتب الحديث فقد حموا الناس (أي اصابتهم الحمى) في فتح خيبر، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( أيها الناس إن الحمى رائد الموت وسجن الله في الأرض وقطعة من النار ، فإذا وجدتم ذلك فبردوا لها الماء في الشنان ثم صبوا عليكم بين المغرب والعشاء، ففعلوا ذلك فزالت عنهم)
وكان جدنا الشريف طه يقول نعم هي الدواء من هذا الداء اذا صدقت منكم النيات

“الربت على كتف الموت”

من الوصايا التي نوصي بها الاطباء والطبيبات والممرضين والممرضات حين يعاودون مرضاهم عند السكرات أن يحفظوا هذا الحديث خاصة وأن الموت في هذه الأيام ينتاش الشيب والشباب. دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على شاب وهو في الموت فقال له: (كيف تجدك؟) فقال: ( أرجو الله، وأخاف ذنوبي). فقال عليه الصلاة والسلام: ( هما لا يجتمعان في قلب عبد في هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه ما يخاف)

“بصر وبصيرة”

أما قول هذه المرأة الصالحة العابدة فهو يصلح أن يُعلق في اطار ذهبي في مشافي وعيادات العيون ففيه ربط قدسي ما بين البصر والبصيرة فعن عفيرة بنت الوليد البصرية العابدة الزاهدة رحمها الله تعالى: أنها سمعت رجلا يقول: ما أشد العمى على من كان بصيراً. فقالت له: يا عبد الله عمى القلب عن الله أشد من عمى العين عن الدنيا، والله لوددت أن الله وهب لي كنه معرفته ولم يبق مني جارحة إلا أخذها.

“برقية”

ومن البرقيات الشهيرة في الشكوى التدبر في المرض ما راسل به مبارك أخيه سفيان الثوري يشكو إليه ذهاب بصره فرد عليه الثوري: (أما بعد فقد فهمت( مش قرأت) كتابك به شكاية ربك، فاذكر الموت يهن عليك ذهاب بصرك والسلام)

“وصفة ضد الطلاق الخفي”

ومن الأسباب الخفية الداعية للطلاق والكراهية بين الأزواج داء البخر فهو إن انتبه له المبتلى يُداوى في الطب الحديث. واشهر قصص الطلاق فيه -إن صحت- طلاق عبدالملك بن مروان من احدى زوجاته. تقول الرواية إن عبد الملك بن مروان كان أبخر فعض على تفاحة ورمى بها إلى زوجته، فدعت بسكين فقال: ما تصنعين بها؟ قالت: أميط الأذى عنها، فشق عليه ذلك منها فطلقها.
وهنالك البخر الأصغر وهو اهمال السواك ونظافة الفم وتطل وصية سيد الخلق في الذوق والاتكيت (ولولا أن اشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة). وكان أبي عليه الرحمة يوصي أقاربه لا تدعوا جيوبكم تخلوا من القرنفل

“الطيب في الزنوج من البشر والظباء من الحيوان”

ومن الوصايا الطبية عند العرب إن طول انطباق الفم يورث البخر، وكل رطب الفم سائل اللعاب سالم منه ( فتحدثوا ولا تثرثروا) وفي خبر الشعوب أن الزنج أطيب الناس افواها وفي الحيوان أن الظباء أطيبهن أفواها

“عافية نفسية”

ومن أعجب الذين قرأت عنهم في العافية النفسية من المرض الذي يعافه الناس حكاية عمرو بن هدّاب سيد قومه وكان أبرص حين مدحه طريف الشاعر فلما انتهى إلى قوله:
أبرص فياض اليدين مهذب
صاح به الناس وقالوا: قطع الله لسانك. فقال عمرو: مه إن البرص مما تتفاخر به العرب. أما سمعتم قول سهل حيث قال:
أيشتمني زيد بأن كنت أبرصا
وكل كريم لا أبا لك أبرص
وقال:
كفى حزنا أني أعاشر معشرا
يخوضون في بعض الحديث وأمسك
وما ذاك عن عيّ ولا من جهالة
ولكنه ما فيّ للصوت مسلك
فإن سد مني السمع فالله قادر
على فتحه والله للعبد أملك

“شقة وشجة”

بعض الجراح الغائرات في الوجه أو في الجبين تصيب البعض بالقبح وتمنح البعض حسناً حتى يشتهرون بها وهناك فرقٌ بين الشقة والشجة فقد كان الناس يقولون (شقة) ابراهيم عوض وكانت طريقة تسريح شعره التي يقلدها بعض المراهقين وبعض الصبايا، واشهر منها (شجة) عبد الحميد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم، وكان بارعا في الحسن والجمال فزادته حسنا إلى حسنه، حتى أن النساء كن يخططن في وجوههن شجته ويسمونها (شجة عبد الحميد)

“توثيق”

ومما كنت اعجب له مقدرة المؤرخين وأهل التوثيق الاسلامي في تتبع أشراف الأمور ومستحقراتها عند مشاهيرهم، فقد كانوا يقتربون منهم حتى درجة الدقائق من صفات السجايا وتفاصيل الجسد والأعضاء. ومن هذه الصفات الخلقية ما قالوه من مشاهيرهم سيدنا ادريس عليه السلام كان أفلج ( مشلول الجانب) وأن عمر بن عبد العزيز كان أشج ( مجروح الجبين) وكان معاوية بن أبي سفيان ألوق ( من يخرج الزبد من فمه عند الكلام) وعبد الملك بن مروان أبخر، وحسان بن ثابت أعمى، وابن سيرين أصم والقائمة تطول.

“الحفايا”

كان لنا صديقٌ طبيب مولعٌ بالزاهد الصوفي بشر الحافي حتى أنه جعل له جمعية معجبين سماها بالحفايا وكلما التقينا به شنف أذاننا بإحدى كرامات بشر الحافي قدس الله سره، ومنها حكايته مع النصراني قيل لما مرض بشر الحافي رحمه الله تعالى قالوا: ندعو لك طبيبا؟ فقال: إني بعين الطبيب يفعل بي ما يريد. فألح عليه اهله وقالوا: لا بد أن ندفع ماءك إلى الطبيب، فقال لأخته: ادفعي إليهم الماء في قارورة. وكان بالقرب منهم رجل ذمي وكان حاذقا في الطب فأتوه بمائه في قارورة، فلما رآه قال: حركوه، فحركوه ثم قال: ضعوه، ثم قال: ارفعوه، فقالوا له: ما بهذا وصفت لنا. قال: وبم وصفت لكم؟ قالوا: بالحذق والمعرفة قال: هو كما تقولون. غير أن هذا الماء ان كان ماء نصراني فهو راهب قد فتتت كبده العبادة، وإن كان مسلما فهو ماء بشر الحافي فإنه أوحد أهل زمانه في السلوك مع الله تعالى. قالوا: هو ماء بشر الحافي، فأسلم النصراني وقطع زناره. فلما رجعوا إلى بشر قال لهم: أسلم الطبيب؟ فقالوا: ومن أعلمك؟ قال: لما خرجتم من عندي هتف بي هاتف، وقال: يا بشر ببركة مائك أسلم الطبيب وصار من أهل الجنة.

حسين خوجلي – صحيفة الانتباهة

Exit mobile version