صلاح الدين عووضة يكتب : بحـــاري!!

ولا علاقة له بالبحار..

وإنما له صلة وثيقة بالآذان… آذان طلابه… فيجر أحدنا من أذنيه حتى يرى ما وراء البحار..

إنه صلاح بحاري؛ أستاذنا للرياضيات في الابتدائي..

وربما كبر أذنيّ هاتين الآن بسببه؛ وبقدر ما كانا يكبران يصغر إدراكي لمادة الحساب..

وظلّ إدراكي هذا يقل مع مرور السنوات الدراسية..

وفي الوقت ذاته يكبر مقتي لمادة الحساب؛ سيما مع تكرار نسخة بحاري في حياتي..

فقد عانيت مع أساتذتي في الرياضيات؛ وعانوا معي..

وإن كانت هواية بحاري جر الأذن فآخر السوط… وثالث المسطرة… ورابع (الشلوت)..

فجاء يومٌ تمنيت فيه أن أصير بحاراً..

سيما وقد كان يزورنا في البيت – آنذاك – بحارٌ اسمه (ود فردوس) محملاً بهدايا لي..

وكان شرط أن أحظى بها أدائي الصلاة..

هدايا قيِّمة ذات صلة بعالم سفن البحار من أجبان… ومربات… ومعلبات… وما لا أعلمه..

وربما لو كان الشرط دراسياً – وبالذات الحساب – لما حُظيت بشيء..

والحمد لله فقد كنت أصلي… رغم إن (مساكنتنا) الزلال تقسم بأن صلاتي من غير وضوء..

وبقيت أمنية (بحار) مرتبطة بعقلي ارتباط السوط بجسدي..

إلى أن جاء عامٌ دراسي – بالثانوي العام – ارتاح فيه ظهري من السوط… وذهني من الأمنية..

وذلك بمجيء أستاذنا محمد حسن (سالومة) لنا في الفصل..

وكان يُدرِّسنا الرياضيات والعلوم؛ ولا يعرف منهجه التدريسي شيئاً اسمه السوط قط..

ولا جر الأذنين حتى ليكاد المجرور أن يرى عالم ما وراء البحار..

بل كان ذا أسلوب راقٍ – وحضاري – في التدريس؛ مع سعة صدر (أبوية) إزاء أمثالي..

فتبدّل حالي؛ وسبحان مُبدِّل الأحوال..

فقد غدوت من بين الثلاثة الأشطر في الفصل… وما من مسألة رياضية تستعصى عليّ..

بل إن مسألة خارج المقرر – يوماً – لم يتوصّل لفك طلاسمها سواي..

وكل الجرجرة (الأذنية) – والكلامية – هذه سببها خبرٌ مفرح على صعيد العملية التربوية..

فقد تقرر تحريم العقاب الجسدي في المدارس..

وهو تحريمٌ طالبت به كثيراً من واقع تجربة شخصية مدعومة بتجارب – ودراسات – عالمية..

وكانت المطالبات هذه خلال العهد البائد..

ولكن كيف لنظام شعاره (أكنس… أمسح… ما تجيبوه حي) أن يكترث ضميره لجلد مدرسي..

والآن على التحريم هذا أن يتجسّد واقعاً معيشاً في الحال..

وكل مُدرِّس من شاكلة بحاري يجب أن يُجر من أذنيه إلى خارج سور المدرسة فوراً..

ويبقى فقط من لهم القدرة على اتّباع نهج (سالومة)..

ورغم ذلك ليتني أجر حمدوك (المتجنس) الآن من أذنيه حتى يرى الدنيا التي جاء منها..

دنيا ما وراء البحار البعيدة..

بأغلظ من بحاري!!.

صلاح الدين عووضة – صحيفة الصيحة

Exit mobile version