– التفاؤل والثقة والتوكل قيم إيمانية تحتل أولوية في دواخلنا؛ يلزمنا التسلح بها عسى اللهُ يكرمنا من حيث لا نحتسب.
– لكن يبقى السؤال : ما هو تكييف تفاؤلنا؟ أهو مجرد أماني أم أنه تفاؤل يرتكز على سيقان من الأسباب التي أُمرنا بالأخذ بها؟
– لقد عايشنا لعامٍ مضى حكومة فاشلة عاجزة بكل ما يعنيه ذلك ؛ ذاق الناس الأمريْن في معاشهم وخدماتهم وأمنهم؛ وباتت دولة القانون في حالة إهتراء وإجتزاء وإضطراب وظلامات؛ يكفي أن المحكمة الدستورية معطلة عمليا منذ يناير 2020م ! وربما لم يعد من خلافٍ كثيرٍ حول فشل الحكومة وتحمل حاضنتها لنصيب الأسد من ذلك الحصاد الهشيم؛ ولا اعتبار هنا للقفزة الشكلية للحزب الشيوعي خارج مركب حكومته دون أن يُتبع ذلك بخطوات عملية مثل سحب منسوبيه بمختلف مسمياتهم ومنافذ تمكنهم في المفاصل.
– نحن بين يدي مولد حكومة جديدة يُفترض نظرياً أنها مبرأة من عيوب سابقتها وعللها الأساسية ومسنودة بحاضنةٍ فاعلةٍ واعيةٍ معينةٍ ومُنتجة؛ لكن بالعقل وبالمنطق هل ذلك ممكن التحقيق وبهكذا سهولة؟ لستُ بمتفائلٍ بل أشك كثيرا في إمكانية ميلاد حكومة كالتي يحلم بها الشارع ويعبر عن حلمه بتلقائية.
– يكاد الناس يجمعون على ضرورة تشكيل حكومة كفاءات مهنية تجمع بين العلمية والعالمية والواقعية مع إعادة الثقة لمنصب (الوكيل) ومنصب (مدير) الشركة المتخصصة بحيث يُبعد كل الذين أُنزلوا (بالبرشوت) ومُكّنوا لأسباب لا علاقة لها بالمصلحة العامة.. هل ذلك الطلب ممكن التحقيق في ظل (الكنكشة) و(التكالب) و(تقاطعات المصالح) واستحقاقات السلام وما نعلمه من معايير التقديم والتأخير؟
– نجاح الحكومة في تقليل المصروفات العامة وتخفيف الضغط على الفصلين الأول والثاني بالذات والإمتناع عن إستسهال اللجوء لطباعة البنكنوت لتغطية العجوزات الراتبة وشبه المستديمة هو أحد مطلوبات النجاة ؛ هل ذلك ممكن التطبيق عمليا؟ هل يعلم أحد الكُلفة التقديرية لعدد (39) شهرا من الترتيبات الأمنية أو لبرلمان مطاطي وقابل لمزيد من التمطيط في عضويته ولجانه؟
– لم نتطرق أعلاه لكُلفة تمويل الإنتاج والنهوض به لأن ذلك مطلوب مهما علت تكلفته إذ أنه المخرج الرئيس لكن كيف السبيل؟ من يضع وينفذ السياسات والخطط والبرامج التنفيذية العملية بحيث يدير عمليات ومشروعات ناجحة إنتاجا وتصديرا؟ ذلك موضوع مختلف.
– الشباب الذين يمثلون قرابة (70٪) من المجتمع أين هم؟ أين موقعهم؟ دعك من جدلية أنهم أُحبطوا واستيأسوا وزهدوا أمام ما عايشوه وكابدوه من تراجيديا إختطاف ثورتهم وتجييرها أمام أعينهم لخدمة أجندة سارقي الثورات القدامى والجدد المعروفون مع تذويب وتمويت وتهميش ملفات تمثل عند الشباب قيمة أخلاقية ومعنوية؛ دعونا من تلك الجدلية ولنسأل : هل سنرى الشباب الحقيقيين ممثلين بنسبة معتبرة في هياكل الحكومة الجديدة حتى تستدفئ بطاقاتهم وتستفيد من دفعهم بفكرهم وروحهم و وتميزهم التقني؟
– مهما اختلفنا او اتفقنا في التفاصيل فإن المكون العسكري واقع معاش؛ وهو الصنو والشريك للمكون المدني “صاحب الثورة”؛ ما عايشناه من بعض سلوكيات وتصريحات التنافر والتطاعن والتلاوم والهتافات والشعارات المسيئة للقوات النظامية لهو أمر سئ وقبيح وسالب وما ينبغي أن يكون من معطيات المرحلة القادمة.. هل ذلك ممكن التحقيق على المستوين الرسمي والشعبي بحيث يتذكر الجميع أنهم أبناء وطن واحد وجناحان يحلق الوطن بهما سويا بصرف النظر عن طبيعة المهام؟ هل تنتهي الفاولات والحفريات ورمي الآخر بكل القصور والخلل؟ هل وعى الجميع بحجم الطاقات الضائعة خارج التختة؟ .
– جهد كبير أهدر في الصراع والجدل حول تحقيق العدالة وسيادة دولة القانون مع إجماع الجميع ألا تهاون مع مجرم وفاسد مهما يكن إسمه ولونه وصفته وموقعه.. وكيف أن التعافي والتصافي والتماسك المجتمعي مهم لتوفير وتوظيف كل خبرة وطاقة لصالح النهضة الوطنية.. هل ستنهي وتقلب الحكومة الجديدة هذه الصفحات القميئة من الظلامات والتظلمات والخلافات والصراعات المهنية داخل بعض مؤسسات العدالة وتدفع بقوة نحو ترسيخ كامل دولة القانون ومحاكمة كافة المتهمين بصرامة وعدالة بحيث يستشعر الجميع قيمة دولة القانون وحمايتها لهم وعدالتها معهم وجديتها وصرامتها مع كل ظالم ومجرم وفاسد بعيدا عن روح وتصرفات التشفي والإنتقام؟
– الحديث يطول؛ والتفاؤل محمودٌ ومطلوبٌ؛ رحمة الله واسعة وواردة ولا تخضع لمنطقٍ بشريٍ؛ لكن ما نراه ونستشعره لا يدعو للتفاؤل بل نخشى ميلاد حكومة مُقعدة تشكو وتئن والناس من حولها منتظرون!
Mohammad Tabidi