(1)اللقاءات التلفزيونية والإذاعية والإفادات الصحفية ذات تدابير خاصة وإعداد وترتيب، خاصة لقيادات الحكومة، فهي إما تفسيرا وتشخيصا للحال وتصحيحا للمعلومات أو تبريرها ، أو طرح سياسات جديدة للعامة وبسطها لتسهيل إنفاذها ومشاركة الجميع فيها أو معارضتها وفق معرفة دقيقة بحيثياتها، أو إبتدار لإفكار جديدة للنقاش ومعرفة الإتجاهات وإستصحابا لردود الأفعال، وقد يشمل اللقاء كل ذلك من خلال التشخيص والتحليل وإستخلاص العبر وتقديم رؤية إستنادا عليها.
وفى كل الأحوال فإن الأمر يتطلب توقيتات وحقائق وأرقام وتوقعات بالنتائج وتلميحات بالعقبات والتحديات وإفتراض المعالجات، مع إختيار المفردة المنضبطة والعبارة النافذة وتسلسل المحاور ودرجتها في صورة متكاملة، فأين يمكن توصيف لقاء د. عبدالله حمدوك رئيس الوزراء في أمسية الأحد ٢٩ نوفمبر ٢٠٢٠م؟ ، وماهي الرسالة المحددة وماهي النتيجة؟..
في الساحة السودانية وضع بائس في كافة مجالات الحياة، من معيشة وصحة وتعليم وأمن وهشاشة إجتماعية، وهناك أسئلة كثيرة حول السلام وتقلبات الإقليم من حرب في إثيوبيا وأزمة سد النهضة وتحدي التطبيع مع إسرائيل ورفع العقوبات الأمريكية وتعهدات الشركاء والمانحين وتخفيف القلق من هواجس الأجندة الأجنبية والتدخل في الشأن السوداني من محاور ومجموعات ضغط وسفراء ، وهناك إختلالات الحاضنة السياسية وتفتتها والعجز عن تشكيل الحكومة والوزارات دون وزراء لما يقارب أربعة أشهر ، كل ذلك كان في إنتظار إفادات محددة، وللأسف بعد نهاية اللقاء كان الحصاد كمن يجمع الماء بشبكة صيد.
(2)
كان يمكن أن يخصص اللقاء لقضيتين فقط، ومن خلالهما تستعرض كل القضايا الأخرى، أولهما : الموازنة للعام ٢٠٢١م ومن خلال أرقامها يتم إستعراض تحديات العام الماضي وتطلعات العام القادم والخطط والمشروعات ومواقف المجتمع الدولي والأصدقاء، إن موازنة الحكومة تعبير شامل عن سياساتها وتوجهاتها، ومن الغريب ان اللقاء لم يتطرق لذلك البته، والقضية الثانية : السلام ومطلوبات إتفاق جوبا ومواقف الشركاء السياسيين والتحالفات القادمة وتقاطعاتها، وتأثير السلام، وتباشيره، وهناك مصفوفة تفصيلية، ومن خلالها مناقشة قضية الحرب والسلام والأمن والنزوح واللجوء، ولم تنل هذه قضية من حظ النقاش سوي إشارات طفيفة و رد عابر على حديث كباشي وكأنما (فش غبينة)..
وكان يمكن للسيد رئيس الوزراء د. حمدوك من خلال مسارات هذه القضايا العبور فوق مطبات التفاصيل الكثيرة وتقديم قراءة لواقع عام مضى و إستصحاب عام آت، ولكن قصر النظر لا يسعف المغرورين..
لقد افتقر اللقاء للحقائق والأرقام التي تعطي الثقة في رئيس الوزراء وتعبر عن إلمامه بالواقع ومتابعته للتفاصيل، وغاب عنه تقديم رؤية للغد، فقد كان الطرح ضبابيا منسوج بعبارات لا تناسب الواقع، بل تزيد الضبابية غموضا، ولم يقدم تفسيرات وتحليلات مناسبة، لقد كان (وصفة) عصية الإستساغة وعسيرة الهضم.
(3)
وفوق كل ذلك فإن شخصية د. حمدوك الباردة تبعث على الإحباط في ظرف دقيق وتزيد القتامة على المشهد، لقد بدا واضحا معاناة د. حمدوك ليس من شريكه المكون العسكري فحسب، بل إن هذا يبدو اليوم الأقرب إليه ومتكأه و مصد تبريراته وأزعم أكثر من ذلك أن العسكر أكثر حرصا على بقائه من اي طرف آخر.
وتحدث د. حمدوك بعبارات تائهه، فقد تباعدت عنه أحزاب الحاضنة السياسية، بل دعوا لإزاحته، وتخاذل عنه زخم الترويكا الخارجية وتضعضع تأثيرها وفعاليتها وبهت هتاف الشاكرين بالمواكب والأسافير.
إن هذا اللقاء بتفاصيله وأبعاده يعبر عن الحال الذي وصلت إليه بلادنا وهو بدون شك درك سحيق..
فهل السيد د. حمدوك هو رئيس الوزراء فعلا؟ وهو من يذهب لفراشه بهمومنا ويسعي سحابة يومه في شأننا؟..
من خلال هذا اللقاء وإفاداته فإن ذلك محل شك كبير عندي، فمن يدير أمر بلادنا؟ الله المستعان، اليوم أكثر إشفاقا على بلادي من أي وقت آخر.. والسلام
د. إبراهيم الصديق على