زيارة الوفد (الإسرائيلي) لمنظومة الصناعات الدفاعية تفريط في الأمن القومي

أجاب البرهان على سؤال صحيفة مصرية عن استفادة السودان من التطبيع مع (اسرائيل) بالقول: (ما الذي استفاده السودان من الخصومة مع (إسرائيل) ؛ وأمريكا ليست جمعية خيرية).. وتزامن ذلك مع أخبار مؤسفة عن زيارة وفد (إسرائيلي) لمنظومة الصناعات الدفاعية بالخرطوم؛ ونعلق على هذين الحدثين بالقول:
اولا؛ أن السماح لوفد (إسرائيلي) بزيارة منظومة الصناعات الدفاعية بالخرطوم تفريط غير متوقع في الأمن القومي السوداني والعربي؛ وذلك لأن (إسرائيل) تسعى لتجميع المعلومات عن القدرات العسكرية للاقطار العربية وتقوم بضرب اي صناعات عسكرية متطورة في أي قطر عربي والأمثلة كثيرة مثل ضرب (إسرائيل) للمفاعل النووي العراقي ولمنشأت عسكرية سورية؛ ولمجمع اليرموك للصناعات العسكرية بالخرطوم عام ٢٠١٢ وسيارة جنوب بورتسودان عام ٢٠١١ وقافلة شمال بورتسودان عام ٢٠٠٩؛ و(إسرائيل) ليست بالسذاجة التي تعتقد بها أن مجرد قبول البرهان دون سائر الشعب السوداني للصلح معها يعني أن الحرب العربية (الإسرائيلية) قد انتهت..حيث أنها لا تنظر للتطبيع مع مصر والأردن سوي هدنة مؤقتة للاستعداد للحروب القادمة.. وقد صرح مسؤول (اسرائيلي) بأنهم لم يكونوا يريدون من اتفاق كامب ديفيد مع مصر سوى هدنة لعشر سنوات فقط.
ثانيا : قبل أن نعلق على ما أجاب به البرهان الصحيفة المصرية نجيبه مباشرة على سؤاله بالقول إن جميع الحكومات التي تعاقبت على السودان قد التزمت بمقاطعة (إسرائيل) ليس طلبا للاستفادة ولكن لأن ذلك واجب وطني وقومي وانساني وديني من الدرجة الأولى؛ ولا تساويه كل كنوز الدنيا في قدسيته؛ وهذه أشياء لا تباع ولا تشتري؛ والله تعالى يقول في سورة الزمر: (ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة)؛ ولا يمكن أن يبيع السودان قيمه المقدسة مقابل قمح بخمسة ملايين دولار قيل أن (إسرائيل) سترسله إلى السودان’ وهو إهانة للكرامة ومبلغ تافه يمكن أن يتبرع لكم به أي تاجر في السوق العربي أو أن تحصلوا عليه من بيع عمارة واحدة من العمارات التي صادراتها لجنة التمكين. ويقول الشاعر المصري الرافض للتطبيع مع (إسرائيل) (هي أشياء لا تشترى.. ا ترى حين افقأ عينيك ثم أثبت جوهرتين مكانهما هل ترى؟)
ثالثا: الشعب السوداني كله يرفض التطبيع عدا عدد قليل من المكونات غير ذات الوزن السياسي أو الجماهيري والتي تجاهلت الحقائق التالية:
* ليس هنالك اي دولة أقدمت على إقامة علاقات طبيعية مع الكيان الصهيوني استفادت من تلك العلاقات اقتصاديا أو خلافه وذلك لأن (إسرائيل) ليست دولة اقتصادية عظمى؛ وهي لا تتجاوز كونها ترسانة عسكرية ضخمة بحاجة إلى سند اقتصادي لتغطية نفقاتها العسكرية حيث تتولى الولايات المتحدة الأمريكية ذلك؛ وهي دولة بنيت على أساس أن تأخذ دون أن تعطي.
_ أن الدول العربية التي أقدمت على التطبيع مع الكيان الصهيوني هي دول تحكم حكما دكتاتوريا مطلقا ولا تستأنس برأي الشعب؛ ولذلك بقى التطبيع في مصر والأردن عملا فوقيا حكوميا ودبلوماسيا معزولا لم يؤيده الشعب ولم يسمح له بالتمدد خارج إطار تبادل التمثيل الدبلوماسي. أما الطاغية الموريتاني الذي قام بالتطبيع مع إسرائيل عام ١٩٩٩ فقد استعاد الشعب الموريتاني حقه في اتخاذ القرار بعد ذهابه واجبر الحكومة الموريتانية على قطع علاقاتها مع الكيان الصهيوني وقفل سفارتها بصورة نهائية عام 2009 حيث يقول الموريتانيون انهم لم يستفيدوا من علاقتهم بإسرائيل سوى العار والفضيخة؛ ويقول الأردنيون أن الأردن لم يستفد شيئا من التطبيع مع الكيان الصهيوني سوى مشاركة السواح الإسرائيليون للشعب الأردني مرافقه الصحية وذلك لأن هؤلاء السياح يدخلون الأردن ببصاتهم ويمكثون ليوم واحد فقط وياتون حاملين معهم طعامهم ومياههم ويعودون في نفس اليوم دون أن ينتفع المواطن الأردني منهم شيئا وتلك هي الطبيعة والعقلية الصهيونية التي تأخذ ولا تعطي .. اما الدولتان اللتان التحقتا بالتطبيع مؤخرا فهما لن تجنيان شيئا؛ وهما اصلا لا يطمعان في دعم اقتصادي من احد ولا إعفاء ديون؛ لأنهما لا يعانيان من ذلك؛ ولكنهما تعرضتا لضغوط أمريكية تحت دعاوى حمايتهما من إرهاب مصنوع أمريكيا لتخويف دول الخليج والسعودية وابقائها تحت توهم الحاجة لمظلة الحماية الأمريكية.
_ اما الدول الأفريقية فهي تؤكد بالإجماع عدم استفادتها من العلاقة مع الكيان الصهيوني وآخرها دولة جنوب السودان.
_ أن الاعتقاد بأن السودان يمكن أن يستفيد من العلاقة مع (إسرائيل) في إعفاء ديونه اعتقاد غريب وذلك لأنه لا توجد أي دولة في العالم يمكن أن تعفي ديونها للسودان لأنه قام بالتطبيع مع (إسرائيل) ؛ ولا تستطيع أمريكا أن تفرض ذلك على أي جهة.
_ إن القوى السياسية التاريخية ذات الوزن الجماهيري الكبير أو الوزن السياسي كلها يمينها ويسارها ضد التطبيع مع الكيان الصهيوني ولا يرتفع صوت مؤيد للتطبيع إلا من الفقاعات التي لا ترى إلا بالمجهر.
_ أن (إسرائيل) دولة مصطنعة من الغرب الاستعماري وغير شرعية وهي استعمار استيطاني بغيض يوازي نظام الفصل العنصري المباد في جنوب افريقيا؛ قام على أرض أجلي منها شعبها العربي بالقوة وسيزول هذا الكيان لأنه ضد منطق التاريخ . ويكتب هذا الكيان على باب برلمانه أرضك يا (إسرائيل) من الفرات إلى النيل ولا يتخلى الصهاينة عن أهدافهم ابدا منذ مئات السنين.
_ أن الإدارة الأمريكية التي تسعى لجر الحكومات العربية الدكتاتورية أو الضعيفة المتهافتة للتطبيع مع الكيان الصهيوني؛ تحكمها قواعد اللعبة الانتخابية التي تحتاج للمال والالة الإعلامية الضخمة التي يسيطر عليها اليهود داخل أمريكا؛ ولذلك قامت إدارة ترامب وبصورة سافرة بتحدي قرارات الأمم المتحدة وتأييد ضم إسرائيل لمرتفعات الجولان والقدس الشرقية والاعتراف بالقدس عاصمة لـ (إسرائيل) والاعتراف بضم الأراضي الفلسطينية المحتلة التي قامت عليها المستوطنات الصهيونية وتلك جريمة إنسانية مكتملة الأركان يجب أن تدفع العرب للتوحد واتخاذ مواقف صارمة ضد السياسة الأمريكية المنحازة (لإسرائيل) والمعادية للحق العربي.
_ أن ثورة شعب السودان العظيمة قد رفعت شعار (حرية سلام وعدالة) والحرية والسلام والعدالة واحدة لا تتجزأ؛ ولا يمكن أن يقوم شعب يرفع هذه الشعارات بالعمل ضدها في تعامله مع الشعوب الأخرى.
وفي الختام نؤكد أن الكيان الصهيوني يشكل خطرا عسكريا وامنيا وسياسيا واقتصاديا كبيرا على السودان.. ولن تتخلى (إسرائيل) عن خطتها في تقسيم السودان إلى خمس دول بعد أن نجحت في فصل الجنوب؛ وكل ما يدور اليوم من حروب في المنطقة العربية تغذيه العصابات الصهيونية عبر وكلائها في أمريكا وأوربا أو بشكل مباشر.
أن قوى الحرية والتغيير وكل مكونات ثورة ديسمبر والمهنيين ولجان المقاومة ومجلس الوزراء عليهم العمل على إيقاف هذا العبث بالمقدسات الوطنية والتفريط في الأمن القومي السوداني والاستهتار بمقدسات الشعب.. وغني عن القول إن مخطط التطبيع مع العدو الصهيوني سيسقطه الشعب السوداني مثلما فعلها الشعب الموريتاني..
واسمعوها الف مرة
نحن رغم القهر لن نرضى بانصاف الحلول التصفوية
لن تمر التسويات المسرحية
لن تزحزحنا الحروب البربرية والمجازر
اسمعوها لن نتاجر
– عضو اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير

التجاني حسين – صحيفة الانتباهة

Exit mobile version