] من مفارقات التسويق التي لا تحدث إلا في بلادنا الصابر أهلها؛ أنه كلما زاد إقبال الناس على سلعة زاد أهلها غروراً وغطرسة؛ و(زادوا الأسعار) بطريقة جنونية؛ وكأنهم يردون تحية تفاعل الناس معهم باستغلال بشع يعكس للملأ أسوأ أنواع الطمع في زمن تسيدته الانتهازية والجشع ..!
] كتبنا قبل خمس سنوات أن سياسة تحرير الأسعار منحت (ملاك صالات الأفراح) وغيرهم؛ حق وضع الأرقام التي تناسبهم؛ وتصديرها كلائحة أسعار تزيد بمزاج الإدارات، ولا تنقص وإن بات ايجار الصالة يتم مرتين في اليوم الواحد بعد اتجاه البعض لإقامة أفراحهم ظهراً مع تناول وجبة الغداء؛ غير قيمة الساعات الإضافية التي تمنح لحفلات (الجرتق والأوفر نايت) ..!
] لم يكتفِ أهل صالات الأفراح، وبعض الأندية بالأسعار الفلكية التي يفرضونها على كل صاحب مناسبة، ولكنهم باتوا يضغطون على الأسر التي تدفع (دم قلبها) في زواج أبنائها بإلزامهم أن يكون العشاء من الصالة وبفاتورة خيالية أيضاً ولا تتناسب مع الأسعار المعروفة في (سوق الله أكبر)، كما أن (ربط أحد الصُفرجية لوسطه) أثناء تقديم (عشاء بارد ومنزوع الطعم) لا يعتبر ميزة متجاوزة تمنح إدارة الصالة حق فرض قيمة فلكية على كل من أراد دعوة أهله وأحبابه لحضور مراسم فرح أحد أبنائه .
] الجشع لم يقف عند هذا الحد، فمعظم أهل الصالات باتوا يفرضون أيضاً التعاقد مع (طاقم تصوير فيديو معين) تابع للصالة، ودفع القيمة التي يحددونها، أو فلتذهب غير مأسوف على (عرسك) .!
] تحولت معظم الأفراح من المنازل والأحياء إلى الصالات والأندية في زمن الأزقة والشوارع الضيقة الذي عزت فيه (ميادين كرة القدم) ناهيك عن (الفسحات)، ومعظم محلات الفيديو التي كانت منتشرة على طول وعرض ولاية الخرطوم توقفت في السنوات الخمس الماضية عن العمل نهائياً، أو أنها على شفا حفرة من الضياع بسبب احتكار الصالات لكل الخدمات ذات الصلة بالأفراح دون وجه حق قانوني!
] أصحاب صالات الأفراح الذين ظلوا لسنوات طوال يخالفون قانون تنظيم التجارة وحماية المستهلك لسنة 2012 الذي يحظر الاحتكار، نظموا دون أدنى خجل وقفة احتجاجية أمام مباني ولاية الخرطوم احتجاجاً على قرار والي الخرطوم أيمن نمر الذي منع التجمعات الجماهيرية، والحفلات، ومناسبات الزواج في الصالات، والنوادي، ونشاط الصالات الرياضية احترازاً لمنع انتشار كورونا، والغريب حقاً ظهور بعض أصحاب الصالات في الصور المتداولة لوقفتهم الاحتجاجية بمواقع التواصل الاجتماعي وهم يلبسون الكمامات على وجوههم (رغم قلة عددهم) احترازاً من الإصابة بالوباء في اعتراف بالجائحة وتناقض واضح لما خرجوا محتجين من أجله، فلهثهم المحموم خلف جمع الأموال جعلهم يطالبون باستمرار عمل الصالات دون وضع اعتبار لأرواح الناس الذين لا يهمهم إن فتكت بهم الجائحة، أو نجوا من الموت، وذاك موقف غير مستغرب من (صالات أفراح) تحولت إلى (حصالات أموال)..!
] لا يصنف أصحاب الصالات من ذوي الدخل المحدود حتى يطالبوا باستثنائهم، والأجدر بهم أن يرتفعوا لمستوى المسؤولية الأخلاقية والمجتمعية، وبدلاً عن انسياقهم وراء شهواتهم المادية ومطالبتهم بموت الناس زحاماً، فمن باب أولى أن يعلنوا استعدادهم التام لتحويل صالاتهم لمراكز عزل، ووضعها تحت تصرف وزارة الصحة إذا تفاقمت الأوضاع لا قدر الله، فالمجتمع الذي يقتاتون من مناسباته وأفراحه، عليهم الإحساس بالمحنة التي يعيشها الآن، والسعي للمشاركة معه، والتخفيف عليه، لا زيادة مواجعه وأحزانه وأتراحه وفواجعه.
نفس أخير
] الإختشوا ماتوا
هيثك كابو – صحيفة الانتباهة