أستميحك عزيزي القارئ أن أفسح المجال لهذه الخاطرة الرصينة والأسلوب الروائي الرائع الذي وصلني من القارئ عز الدين الشريف عوض عبد المطلب من قرية (الشريف يعقوب) يقولُ عزّ الدين أن جده لأمه وأبيه هُما أبناء عُمُومة للشريف بركات بالشرفة وأن أسرته أشتهرت بالتصوف وتحظى بالاحترام ومحبة الناس. قال أنه درس بمدرسة حنتوب الثانوية ثم كلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم ثم حصل على ماجستير علاقات دولية منها أيضاً ثم ماجستير آخر في إدارة الأعمال وحصل على دورات خارجية وداخلية وهو مُدقق دولي مُعتمد في نظام الجودة. عز الدين كتب هذه الخاطرة عندما تعطلت به سيارته برفقة أسرته الصغيرة بالقرب من قريتنا (العيكورة) فإلى قلم الأستاذ عز الدين الشريف عوض: ـــ
قد كنت مُسافراً صوب قريتي الوادعة (الشريف يعقوب) قبل أسبوعين، ومعي أسرتي الصغيرة على متن سيارتي الخاصة وكان الشوق يسبقنا إلى مرتع الصبا وبركة والدي الشريف عوض عبدالمطلب وبقايا أثر من والدتي الحبيبة لروحي التي ارتحلت عن دنيانا الفانية وكلما اقتربنا من هاتيك الديار كلما زاد الشوق اتقاداً ولكأني بسمر اخوتي و(بلمة) أهلي حولي صباحاً وعند الظهيرة والمساء بينما نحن في هاتيك الأحلام إذا بعربتي تبدو عليها بعض علامات الاعياء والرهق فطفقت أسائلها ما بك؟ فلم تجبني وكان ابني محمدٌ قائد رحلتنا يحاول أن يعرف السبب دون جدوى. كان ذاك المشهد قرب (العيكورة) حينها لمحت رجلأً خمسيني يعلوه الوقار يمتطي عربته (البوكسي) فأتجهت صوبه فذكر لي بنبرة تواضع انه مُزارع كانت كلماته التي نطق بها تدلّ على أنه رجل مثقف، يختار الكلمات بعناية وتراتيبة ويعطي احساس بأمان وأن لا مشكلة وإن الأمور تسير نحو الأفضل تمثلت شهامته أن ترك مساره واخذني معه لدكان زيوت (الشاذلي) القابع في الطريق لم يأبه الرجل لتأخير زمنه عن بذر بذوره التي كان يحملها في عربته وأخذ يؤانسني سألته عن الأستاذ إبراهيم الأمين فحدثني عنه حديث الثناء سألته عن الصحفي صبري عيكورة فحدثني على أنه رفيقه وصديقه كما حدثني عن شجرة ود العوض التي كتب فيها صديقه صبري قصته الشهيرة.
كان الرجل شهماً أنفق من زمنه الخاص لرفقتي وقلل من توتري عن مشكلة سيارتي وبوصفته لم تجد السيارة بداً الا ان تزعن للمسير كأنها تقول بركة أهل النجدة لا تعطيها فرصة للعناد، وانا انطلق نحو اهلي ودعني بكلماتٍ طيبات ودعواتٍ صادقات، وتحياتٍ مباركات لكأن الرجل يعرفني لسنين، ولكأننا لم نلتقِ الا قُبيل لحظات.
وقبيل الفراق همس ابني في اذني يا أبي أنّ الرجل سخر لنا وقته ودابته فأعطه أجر ما صنع قلتُ يا بنيّ أن فعلتُ لقللتُ من شأنه ولما استطعت مكافأته وإن اهلك هؤلاء يقدمون بلا مَنٍ ولا مُقابل يرجون الجزاء عطاءاً حسابا من الذي لا تنفد خزائنه.
كان ذلك برهانٌ على فيض (العيكورة) وكان الرجل هو (البُرهان حسن عبّاس).
التوقيع: اليعقوبابي
وخذ هذه مني أخي (اليعقوبابي): ـــ
فهذا (البرهان) الذي قابلته هو رجل مُثقف قارئ نهم لم تخذلك فراستك فيه لم يسبقه حباً للقراءة إلا أخيه المرحوم (صديق حسن عباس). وهذا المزارع الذي أعجبك تواضعه هو مهندس ميكانيكا سيارات بارع وبحسه وحدسه صنّف لك العطل ولم يخبركً. فشكراً لك أخي عز الدين على خاطرتك الرائعة عن أهلنا وشكراً للصديق محمد حسن عباس (البرهان) وإن لم يكن هو كذلك فلن يكن والده هو حسن ود عباس خال الشريف الصديق يوسف الهندي ولو تمهلت بكم السيارة قليلاً لحدثك حديث العارفين عن أهلك وعن أهله. فلكما الشكر سوياً ولا يعرف الفضلُ إلا ذوي الفضلِ.
صبري محمد علي “العيكورة” – صحيفة الانتباهة