(1 )
حاج ابراهيم وشيخ عوض الله كانا كبار القرية ولكن التنافس بينهما على الزعامة هو المحرك لهما فما إن يقف احدهما موقفا الا واتخذ الآخر الموقف المضاد . لدى حاج ابراهيم رأي سلبي في حفلات الزواج الغنائية وكان يمنعها في اسرته الممتدة فأراد ابن اخته أن يقيم حفلة في مناسبة زواجه ولما كان يعرف موقف خاله ذهب اليه وقال ياخال، حاج عوض الله قال حا يمنعني من اقامة حفلة يوم زواجي فما كان منه الا قال له (حاج عوض الله دخل شنو في فريقنا؟ علي الطلاق ما يقدر يدخل يبشر فيها امشي جيب فنانك وانا بحرسها بعكازي دا ) . اردنا التوسل بهذه الطرفة الواقعية للحديث عن الخلاف والتنافس الشيوعي الإخواني على ريادة المشهد السوداني منذ اكتوبر 1964 والى يوم الناس هذا فقد اصبح الثابت الوحيد في السياسة السودانية وهو الشيء الوحيد الذي يمكن الرهان عليه دون اي خوف من الخسارة.
(2 )
يمكننا القول ولكن بتحفظ إن الصراع الاخواني الشيوعي صراع ايدولوجي هذا بافتراض أن الشيوعية تدعو للاشتراكية العلمية بينما الإخوان المسلمون يدعون للرأسمالية ولكن هذا ليس صحيحا على اطلاقه فقد ذكر الأستاذ محمد يوسف محمد وهو من مؤسسي الحركة الإسلامية في السودان مع بابكر النور وآخرين انهم عندما انشأوا حركة التحرر الإسلامي في اربعينيات القرن الماضي في حنتوب ما كان منهم الا أن احضروا منفستو حركة التحرر السوداني الشيوعية (حتسو) وشطبوا كلمة اشتراكية وكتبوا مكانها كلمة إسلامية اي اصبحوا ضد الرأسمالية بذات القدر وقد يقول قائل إن الخلاف بينهما ديني، فالإخوان يدعون لإقامة دولة دينية والشيوعيون يدعون الى دولة لا دينية وهذا ايضا غير صحيح ففكرة الإخوان لا تقوم على دولة ثيوقراطية بينما الحزب الشيوعي السوداني لا ينادي بمحاربة الاديان انما فصل الدين عن الدولة لا بل يرى أن الدين الإسلامي دين تحرري، فالعلمانية لو فهمت بمعنى المدنية يمكن أن تجمع بينهما.
(3 )
دعونا نقفز من التجريد النظري فنحن اولاد الليلة ففي اليوم العلينا دا اصبح الإسلاميون اقرب للدول الاشتراكية ويكفي العلاقات القوية التي كانت تربط بين الحزب الشيوعي الصيني والمؤتمر الوطني الذي كان يحكم السودان بينما كوادر الحزب الشيوعي السوداني اتخذوا من الغرب خاصة بريطانيا والولايات المتحدة ملجأ وداعماً فإذن قد سقط هذا القناع الايدولوجي الى غير رجعة . سيطرة الحزب الواحد او الحزب الغالب جربها الطرفان، الحزب الشيوعي لمدة قصيرة والحركة الإسلامية لمدة طويلة فأثبت فشلها لذلك يمكننا أن نفترض أن الإخوان والشيوعية اصبحوا من دعاة التعددية الحزبية. اما السياسات الاقتصادية فالسودان مثل غيره بعد نهاية الحرب الباردة اصبح محكوما بالليبرالية الجديدة فلا الشيوعية ولا الإخوان لديهما خيار غير ذلك. خلاصة قولنا في هذه المقدمة أن اسس الخلاف الشيوعي الإخواني يحتاج لمراجعة ولكن الأهم اصبح ضرباً من الماضي ولا وجود له ولكن مع ذلك الصراع بينهما مازال على اشده وكان يمكن أن نقول “ما مشكلة ما يتصارعوا فالثنائية في الحياة السودانية ليست جديدة، شمال \ جنوب، ختمية \ انصار، هلال\ مريخ، ولكن رأينا أن صراع اخوان\ شيوعية قد اضر بهذه البلاد خاصة في هذه اللحظة الفارقة من عمر السودان وسيضر بالسودان اكثر اذا لم ينتبه الطرفان وهذا ما نحاول اثباته غدا إن شاء الله.
عبد اللطيف البوني – صحيفة الانتباهة