(1)
ولأن الوطن غارق حتى أذنيه في الأوحال والبؤس، تعلقت آمال الناس بحمدوك فرأوا فيه طوق نجاة لانتشال البلاد من مأزق الأوحال ، ذلك بعد ثلاثة عقود من البؤس، فما أن تولى رئاسة الحكومة طفق الناس ينسجون القصص التي تجعل منه المخلص والمنقذ، وطبعاً الناس معذورة لأنها محبطة وبحاجة ماسة إلى «مجرد أمل» لتطرد به سُحب الإحباط التي تراكمت وخرج من خلالها الودق الكذوب…ومثل ما قالوا عن حمدوك وقتها أراهم الآن قد تعلقت آمالهم بالدكتور جبريل إبراهيم حيث تسابق بعض الكتّاب والساسة يتعبدون في محراب (جبريل) : هذا ربي هذا أكبر، تلفهم حيرة (إبراهيم) وهو يبحث عن الرب المنقذ ، بذات طريقتهم مع حمدوك ولما أفل حمدوك رأوا جبريل (بازغاً) فما تراهم يفعلون وهم حائرون، وأقول برضو الناس معذورة ومقهورة و(مُودِّرة ليها قائد كفؤ بمواصفات محددة لإنقاذ البلاد، والمودربفتش خشم البقرة).
(2)
غداة اختيار حمدوك لرئاسة الوزراء، في اغسطس من العام 2019 كتبتُ مقالاً في هذه الزاوية بعنوان ليس بحمدوك وحده ،جاء فيه : (اختيار حمدوك لهذا المنصب ليس كل شيء، لكنه قطعاً يمثل بارقة أمل في عتمة مشحونة بالإحباطات، أو بمثابة ضوء في آخر النفق المظلم، ومع ذلك فإن نسج القصص والروايات التي تصوره بنصف (نبي) يجب ألا نبني عليها قصور الآمال، حتى لا تنهار على رؤوسنا فنعود لدائرة إحباط أكبر وأقتم… وأخشى أن نقتل نحنُ السودانيين بارقة الأمل هذه بأفعالنا نحن لا بأفعال غيرنا، وأخاف أن نُطفئُ الجذوة التي لاح نورها بأيدينا لا بيد عمرو..وبينتُ في ذلك المقال ماينبغي على الجميع عمله لإنقاذ سفينة الوطن وعدم الركون لما سيفعله حمدوك وختمت بـ ( إذا تصورنا أن حمدوك هو المخلص والمنقذ الوحيد الذي يحمل عصا سحرية لحلحلة كل مشكلاتنا العصية واتكأنا على هذا الحلم الوردي نكون قد قتلنا الأمل، وأطفأنا السراج الذي يضيء لنا العتمة في طريقٍ ملؤه الشوك والتعاريج إنما هو رجل وحسب…وإذا عادت القوى السياسية لغيها وضلالها القديم في الصراع السياسي والتنازع على الملك والمواقع و(الحَفِرْ) والمكر السيئ الذي تجيده بامتياز، واستهوتها لُعبة المحاصصات، سنكون قد قتلنا الأمل وأطفأنا السراج.
إذا لم نكن جميعاً في صعيد واحد ضد الخطاب العنصري والتعصب الأعمى للقبيلة وإثارة الكراهية، نكون قد قتلنا الأمل وأطفأنا السراج، وسبحنا في الدماء.
إذا لم نكن يداً واحدةً لمحاربة الفساد والمحسوبية والرشاوي، ونتعلم ثقافة احترام القانون ونعلي شأنه، نكون قد قتلنا الأمل وأطفأنا السراج، فالدول لا يبنيها الأفراد مهما علا قدرهم ومؤهلاتهم وخبراتهم، وأمجاد الأمم لا يصنعها الأشخاص مهما أوتوا من قوة وبسطة في العلم، ولكن تُبنى بالاصطفاف نحو الهدف القومي المنشود وشحذ الهمم وتوجيه كل الطاقات لتحقيقه دون عزل لأحد.
وانطلاقاً من الحقيقة المجردة أعلاه، نقول إن حمدوك وحده لن يستطيع أن ينتشل راحلة الوطن الغارقة في الأوحال إلا بمساعدة الجميع..
(3)
الآن أعيد ذات الأسطر أعلاه للذين يرفعون سقف التطلعات والعشم في د. خليل إبراهيم، أو عمر الدقير ، وهم عاجزون عن فعل أي عمل إيجابي يدفع السفينة الغارقة في الأوحال إلى الأمام، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني….اللهم هذا قسمي فيما املك.
(4)
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله وثق أنه يراك في كل حين.
أحمد يوسف التاي – صحيفة الانتباهة