تتبنى النهضة وتتبرأ من الفساد

[JUSTIFY]
تتبنى النهضة وتتبرأ من الفساد

معظم مؤسسات الدولة تعتبر أن قضايا المجتمع السوداني مقسمة على قسمين؛ القسم الأول قضايا وظواهر تتحمل مسؤوليتها مؤسسات الدولة المختصة بالأمر، والقسم الثاني قضايا وظواهر يعتبرونها خارج مسؤولية الدولة.

وبناء على هذه النظرية فإن الإحصائيات والأرقام العلمية (الشينة) التي تتعلق بالقسم الأول تجدها (منكورة) ومحاصرة ومغلقة داخل الأدراج بالضبة والمفتاح، بينما يتم إطلاق سراح الإحصائيات والأرقام التي تتعلق بالجزء الثاني والترويج لها، مع إبداء الأسف وتأنيب المجتمع..!!

تجد الصحف مليئة بإحصائيات وتنظيرات المختصين حول نسب تعاطي التبغ والتمباك بين الفئات المختلفة مثل التقرير المنشور مؤخرا..

كما تجد أرقام الإصابة بالإيدز مثلا متوفرة أكثر من الأرقام الإحصائية اليومية لوفيات الأطفال بسبب فقر الدم.

وتجد الإحصائيات حول نسب انتشار ظاهرة ختان الإناث متوفرة ومتاحة وحملات مكافحتها (مسخنة) بينما لا يتم الاعتراف ولا إطلاق سراح إحصائيات حول نسبة وفيات الأطفال أو النساء الحوامل بسبب عدم كفاءة الخدمات الصحية.. أو الأخطاء الطبية..

والأدهى والأمر أن تكون تفاصيل نسب الفقر الذي تمت تغطيته وتقديم مساعدات من الدولة للأسر الفقيرة متاحة ومعترفا بها ومروجا لها بالصورة والصوت والتوثيق الدقيق لجهود ديوان الزكاة فيه، بينما يتم إنكار النسب الكلية للفقر والتقليل من حجمها، بل توصف المنشورة منها بأنها مبالغ فيها حين تصدر عن منظمات أو مراكز بحوث خارجية..

أما الفساد، فمنذ عهد الترابي كانت تصريحاته الموثقة (9) بالمائة على لسانه، وكانت تلك النسبة مستنكرة على لسان مؤسسات الدولة الرقابية. وحين تصدر أي تقارير خارجية حول نسبة الفساد في السودان تعتبرها الحكومة تقارير مسيسة ومتآمرة، بينما تعود الدولة حين تريد أن تجدد طلاء الشفافية لتعلن عن حملات وترتيبات لمكافحة الفساد دون أن تفصح عن حجم الفساد فهو من تقارير القسم الأول المغلقة في درج الزمان..!

ثقافة الإنكار و(الدسديس) وتجميل الواجهات هي التي أغرت الفاسدين على الاستمرار في فسادهم ونفس هذه الثقافة ـ ثقافة حرص المسؤولين والوزراء على فتح درج إحصائيات القسم الثاني من ظواهر وقضايا المجتمع وإغلاق وإخفاء إحصائيات القسم الأول الذي تطعن أرقامه في مصداقية تصريحاتهم الإعلامية وإنجازاتهم الوهمية ـ تجعلهم يخفونها حتى أمام مجلس الوزراء أو الجهات العليا التي تطلب منهم تقارير الأداء حتى يحافظ الوزير على وجاهة عهده ويحافظ المدير على جمال وروعة إطلالته وسمعته التنفيذية المجملة والمزركشة بأخبار العلاقات العامة..

للأسف هذا هو حال الحكومة، مهما تغير الطاقم فسيأتي طاقم و(ياخد الطريقة) حسب المصطلح الصوفي يأخذها من (حيران) إدارات الإعلام والعلاقات العامة في المؤسسات الحكومية والوزارات والذين يعرفون.. شفرة اللعبة.

الحقيقة التي لا يحب هؤلاء مواجهتها هي أن التقسيم المفترض لقضايا المجتمع بين قضايا تتحمل مسؤوليتها الدولة وأخرى يتسبب فيها سلوك المجتمع ويتحمل وزرها وحده.. هذا التقسيم غير صحيح من الأساس؛ فكل نهضة المجتمع مجموعة في كتاب واحد، كما أن انهيار المجتمع يدون في مصفوفة واحدة.. (الإيدز) و(الشيشة الموبايل) و(التمباك) و(التدخين) و(الطلاق) و(التهريب) و(الدعارة) كلها ظواهر ترتبط بعلاقات مباشرة مع الحال العام في المجتمع وكلها تقع بنسب متفاوتة من المسؤولية الأكيدة للدولة.. فالحكومة التي من حقها أن تتبنى حدوث نهضة ثقافية أو تعليمية لو حدثت في عهدها، لا يوجد منطق في أن تتبرأ تلك الحكومة من انهيار أو تراجع أخلاقي أو قيمي يحدث في عهدها..

[/JUSTIFY] جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي
Exit mobile version