توقظ الحروب نزعة غريبة للنضال من أجل البقاء، حتى إن كان البقاء أفضل منه الموت..!
أثمان الحرب باهظة ليست فقط قصف ودمار ودماء، إنما جراحات تظل نازفة لا أحد يعلم كيف ومتى يداويها الزمان..
شاهدت المأساة في معسكرات الفارين من الحرب الإثيوبية على الحدود مع ولاية القضارف، سألت بعض الناجين بعد أن هدأ القصف الذي استمر ثلاثة أيام، إن كانوا يفضلون العودة لديارهم وبقية أهلهم، حيث لا مقومات للحياة لكنني تفاجأت مما قاله بعضهم..
شعرت أن الدمار الذى أحدثته الحرب بين حكومة أبي أحمد وجبهة تحرير تقراي والفتن التى أحيتها ورغبة الانتقام التى أيقظتها، قد تمتد لسنين عددا، حتى بعد توقف إطلاق النار.
شهادات الناجين موحشة، فهناك من يصف أساليب بشعة في طريقة القتل والتمثيل بالجثة كأنها رسالة للآخرين، وكذلك خلع الملابس والطلب من الفارين السير دون أقمشة تستر عوراتهم..
عدد النساء الحوامل أكثر من 200 إمرأة، ولا رعاية طبية يمكن أن تقدم لجنين مازال في رحم الغيب..
الرُضع حديثو الولادة، كأمهاتهم يصارعون الجوع.. أما الأطفال الصغار فتتمثل أحلامهم في اليوم بأكل لقمتين..
هناك مرضى يئنون وجرحى ينزفون، ومصابون بكورونا هربوا من مراكز العزل في تقراي بحسب شهود عيان..
العيادة ليست عيادة، هي أشبه بغرفة خربة لا يستطع أحد النظر إليها مرتين، أما الحمامات وأمكان قضاء الحاجة المعدومة فهي المأساة الكبرى..
أهل القضارف ومنظماتها يقطعون المسافات لتقديم الكراتين والتمور وما تيسر من غذاء، لكنه الجوع والجوع “كافر”.. فإطعام أكثر من 10 آلاف شخص، ليس بشيءٍ هين..
أما المنظمات الأممية، فما زالت في إجراءات التسجيل والعد والفرز، ليست بقادرة على الإسراع أو التيقن أن الأوان قد يمضي وتمضي معها الأرواح..
وما يسمى ببرنامج الغذاء العالمي، يصرف الملايين في السفر وتحسين بيئة العمل، والنثريات والعطاءات، لكنه يعجزعن صرف نسبة 1% من أمواله لإنقاذ الأرواح..
مشعلو هذه النيران يُمارسون حياتهم في منازلهم ومكاتبهم، لكنهم لن يكونوا بمنأى عن الحرائق التي أشعلوها، فالحروب لا تورث إلا الأحقاد والضغينة وحب الانتقام وإن طال الزمان.
لينا يعقوب – صحيفة السوداني