بعد عامين من التيه في المنفى، عاد قادة الكفاح المسلح لوطنهم السودان، وسط استقبالات حافلة على أنغام السلام، في وقت رصدت فيه الوكالات والقنوات العالمية والإقليمية ما وصفته باللحظات التاريخية.. (السوداني) تعرض أبرز المواد المنشورة في هذا الشأن.
وصول واحتفال
وصول قادة الجبهة الثورية، بقيادة رئيسها الهادي إدريس، وحركة “العدل والمساواة” جبريل إبراهيم، وحركة “تحرير السودان” مني أركو مناوي، والحركة الشعبية/ قطاع الشمال، مالك عقار، حظي بالتفاف كبير وفرح طاغ من أنصار السلام ومن أتباع الحركات، ليتوجه قادة الحركات المسلحة مباشرة من مطار الخرطوم إلى “ساحة الحرية” وسط العاصمة، حيث تقام احتفالات السلام، في وقت لاحق اليوم.
الوصول الميمون للجان المقاومة المسلحة حظي بترحاب سوداني واسع، ومثل بالنسبة لمراقبين بداية لنهاية عهود من الحروب الأهلية الدامية التي أشعلها نظام الإخوان الإرهابي المعزول بحسب الكثيرين، في إقليم دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان.
ولعظمة المشهد، تدافع آلاف السودانيين إلى ساحة الحرية بالخرطوم؛ حيث يجري احتفال كبير بعودة قادة الكفاح المسلح، ليتغنى ويرقص الجميع كل على طريقته فرحا بطي صفحة الحرب اللعينة التي طالما مزقت هذا البلد مترامي الأطراف.
-احتشدت أعداد كبيرة من المواطنين بساحة الحرية رغم الاحترازات الصحية لجائحة الكورونا، للاحتفال بتوقيع السلام واستقبال قيادات أطراف عملية السلام التي تعتبر إضافة حقيقية للسلام واستقرار البلاد إيذاناً بالبدء الفعلي لتنفيذ اتفاق السلام على أرض الواقع.
وكانت الفرق الشعبية لجميع قبائل السودان قد رسمت لوحة جميلة تؤكد على وحدة السودان ودخوله مرحلة جديدة قوامها العدل والحرية والسلام والمساواة دون تميز بين أبناء الوطن الواحد.
وتخللت الاحتفالات الشعبية فواصل غنائية للفنان يوسف الموصلي وجدت تجاوبا كبيرا من المشاركين في الاحتفال.
وقد تم توقيع اتفاق السلام بجوبا في الثالث عشر من أكتوبر الماضي بين الحكومة الانتقالية وعدد من حركات الكفاح المسلح بحضور عدد من رؤساء الدول والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة كضامنين للاتفاقية.
لحظة تاريخية خرجت من ولادة متعثرة لجراحة تفاوضية بين السلطة الانتقالية والحركات المسلحة فور انتهاء حكم الإخوان برعاية دولة جنوب السودان ودعم أصدقاء إقليميين ودوليين، أبرزهم الإمارات والسعودية ومصر.
ماذا قال رئيس الوزراء؟
واعتبر رئيس الوزراء السوداني الدكتور عبدالله حمدوك أن عودة قادة الكفاح المسلح للخرطوم يمثل بداية حقيقية لطي صفحة الحرب.
وغرد حمدوك عبر تويتر: “وصول شركاؤنا في التغيير من قيادات حركات الكفاح المُسلّح اليوم إلى أراضينا هو تدشين حقيقي لعملية بناء السلام وإغلاق لصفحة الحروب في بلادنا”. وأضاف على فيسبوك:”نحن التقينا في كل المنافي، داخل إفريقيا وخارجها، كنا نبحث ونسعى لهذا اليوم، وأعتقد أن شعبنا يستحق كل ذلك”. وتابع: “اليوم نبدأ الخطوات الأولى لوضع حدّ لمعاناة أهلنا في معسكرات النزوح واللجوء، وهذا السلام يجب أن يخاطب هذه المعاناة”.
ولفت حمدوك إلى أنه، لأول مرة في تاريخ السودان، نصل إلى سلام يخاطب بشكل حقيقي جذور الأزمة السودانية، يخاطب قضايا بناء الدولة السودانية، الجذور المتعلقة بالحروب والتنمية غير المتوازنة والتهميش.
وفي كلمة قصيرة لدى لقائه بالقادة وصف حمدوك اللقاء بأنه يشكل رمزية تاريخية بحق وحقيقة على حد قوله” أنا شخصياً لم أعد أجد كلمات أعبر بها عن وصف مشاعري وسعادتي باللقاء “. وشدد في كلمته على ضرورة الحفاظ على وحدة السودان باعتبارها قضية ذات أهمية قصوى، وقال إنه اليوم قد بدأت بالفعل أولى الخطوات لوضع حد لمعاناة الموجودين في معسكرات النزوح.
وأضاف أنه لأول مرة نصل لسلام يخاطب جذور المشكلات السودانية مشيراً إلى أنهم يواجهون تحديات عديدة تمثلت في المشكلات الاقتصادية وضرورة معالجتها ووضع حد لمعاناة الجماهير، ومجابهة جائحة الكورونا والعمل على بناء مؤسسات الدولة وإتمام الفترة الانتقالية وتحقيق غاياتها المرجوة.
حميدتي والشيخ
أكد نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي محمد حمدان دقلو حميدتي، أن اتفاق السلام الذي تم في أكتوبر الماضي لن يكون خصماً على أحد، وأنه محاولة لترميم الدولة السودانية وقال: “لا أجد أي مبرر لمن يمجد ويعزز الحرب”.
وأضاف حميدتي في كلمته خلال الاحتفال بوصول قادة أطراف العملية السلمية الموقعين على إتفاق جوبا بساحة الحرية “لقد أدركنا أن دائرة الحرب هذه يجب أن تقف ومثلما اختلفنا نتفق اليوم”.
كما دعا حميدتي عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور للانضمام إلى السلام، قائلا: (تعالوا نوحد كلمتنا لاستقرار أمن هذه البلاد) وأضاف: “قادرون بالإرادة أن نتجاوز الصعوبات لتحقيق السلام الشامل، ولبناء سودان موحد ومعافى من أمراض الجهوية ونحقق شعار الثورة حرية سلام وعدالة”.
كما أكد إدراكهم لحجم المخاطر التي تحيط بالبلاد أمنياً وسياسياً واقتصادياً لكن سنتجاوز الصعاب، ودعا المواطنين للوقوف مع الصحيح، وأكد أن تنفيذ الاتفاق يكون بتعاون الشعب السوداني.
وانتقد نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي محمد حمدان دقلو “حميدتي”، الهتافات التي وجهها بعض الحضور للقيادي بالحرية والتغيير إبراهيم الشيخ خلال الاحتفال .
ودافع حميدتي عن إبراهيم الشيخ، وقال: “يا جماعة قالوا الظلم ظلمات، انا والله ما بكسر تلج لي زول، أنا ح أقول كلام عارفكم ح تجوطوا فيهو”، إبراهيم الشيخ دا من الناس مع السلام والجناح المعتدل في الحرية والتغيير، ما تظلموا الآخرين، الظلم مر”.
كلمة الجبهة
من جانبه حيا رئيس الجبهة الثورية السودانية الدكتور الهادي إدريس الشعب السوداني بتحقيق السلام، مشيراً إلى أن السلام هدف ظللنا ننشده لفترة طويلة، وأشاد بدور دولة جنوب السودان في تحقيق السلام بعد صبر استمر لعام كامل.
وقال في المؤتمر الصحفي على شرف وصولهم للسودان بعد توقيع السلام، أتينا لنملك اتفاقيه السلام للشعب السوداني لأنها ملك له وهو هدف اساسي لعودتنا بعد السلام، بالإضافة إلى العمل مع الشركاء في الحكم مدنيين وعساكر لمصلحة الشعب وتحقيق شعار الثورة، وقال إن الاتفاقية يجب تنفيذها وهو اتفاق مميز تم توقيعه في مناخ سياسي مختلف وهو لكل السودان وخاطب كل القضايا الجوهرية مشدداً على ضرورة سد الفجوة في المجتمع من خلال الحكم الفيدرالي الذي يسهم في إعطاء نسبة كبيرة للأقاليم الأقل نمواً.
وأضاف أننا نتحمل المسؤولية من اليوم ونعلم معاناة الشعب السوداني وسنسعى بالتعاون مع الشركاء في الحكم بتحمل المسؤولية.
وقال إن ما تعرضت له الندوة بالحاج يوسف من مضايقات وإطلاق رصاص أمر غير مقبول وسوف لن نسمح بانزلاق السودان نحو العنف مرة أخرى، وقال إن النازحين يجب أن يعودوا إلى مناطقهم في أقرب فرصة داعياً جميع رفقاء الكفاح المسلح الذين لم يوقعوا على اتفاق السلام بضرورة الانضمام إلى ركب السلام لمصلحة الشعب داعياً كل القوى السياسية بالسودان خاصة الشركاء إلى العمل سوياً من أجل الوحدة بين مختلف مكونات السودان السياسية، مشيداً بدور سلفا كيروأعضاء حكومة جنوب السودان في تحقيق السلام وقال إن دورهم كان فاعلا وذلل كل العقبات.
فيما قال رئيس حركة وجيش تحرير السودان مني أركو مناوي “اتينا لترجمة اتفاق السلام في أرض الواقع” وأشار إلى وصلوهم للخرطوم من أجل مشاركة الحكومة في تحمل عبء الانتقال الديمقراطي عقب الثورة المجيدة.
وقال مناوي إن تنفيذ الاتفاق يجب أن يبدأ بعودة النازحين واللاجئين كأولوية للحكومة التي سيتم تشكيلها بمشاركة أطراف العملية السلمية.
وأضاف مناوي “علينا العمل على تحمل المسؤولية وترك المشاكسات السياسية للعبور إلى الديمقراطية”.
المحللون يتحدثون
المحلل السياسي الجميل الفاضل، وصف وصول قادة الكفاح المسلحة بأنه نقطة تحول تاريخية في مسيرة السودان ويضع أساساً لتحقيق السلام.
وقال الفاضل بحسب (العين)، إنه للمرة الأولى في تاريخ السودان يحدث اتفاق سلام بين حكومة انتقالية وحركات مسلحة بمثل هذه المشاركة الواسعة.
وأضاف: “عودة الجبهة الثورية سيدعم فترة الانتقال ويحدث وزنة كبيرة في مسألة حسم بعض الملفات الخاصة بالعلاقات الخارجية لا سيما مع إسرائيل، فضلا عن أن مشاركتها ستدفع قدما بالملف الاقتصادي”. وتابع: “هذه تجربة فريدة سيكون لها تداعيات إيجابية على الفترة الانتقالية على المستوى السياسي والاقتصادي وغيرها من المكاسب”.
وعلى ذات المنحى، اعتبر المحلل السياسي الدكتور عباس التجاني أن عودة قادة الحركات المسلحة للخرطوم يمثل خطوة كبيرة في سبيل بناء السلام في السودان.
وقال: “أي حراك في سبيل إنهاء الحرب يجب أن يحظى بتأييد كبير بغض النظر عن رأي الناس حوله، فبكل المقاييس ليس هناك نتائج أسوأ من القتال والدماء”.
ومضى في تحليله: “هذه خطوة كبيرة وتحتاج لإرادة وسند دولي ومحلي لإكمال تنفيذ الاتفاق، لأن هناك تحديات اقتصادية وسياسية بحاجة لتضافر”.
دعوات ومخاوف
ووقعت الحكومة السودانية والجبهة الثورية وعدد من الحركات المسلحة الأخرى اتفاق سلام في أكتوبر الماضي في جوبا، يقضي ببدء فترة انتقالية في البلاد تستمر 3 سنوات. مع تخصيص 3 مقاعد في مجلس السيادة، و5 حقائب وزارية في مجلس الوزراء، لقادة الفصائل المسلحة. ومنح الحكم الذاتي لجنوب كردفان والنيل الأزرق. ودمج قوات فصائل الجبهة الثورية في القوات المسلحة مع تشكيل قوة مشتركة قوامها 20 ألف جندي لحفظ الأمن في إقليم دارفور.
تزامن ذلك مع رفض حركتي عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور التوقيع ـأو الانخراط في مفاوضات مسارات الجبهة الثورية، في وقت رشح فيه، أن تبدأ مفاوضات بين الحكومة الانتقالية وكل من الحركة الشعبية – شمال جناح عبدالعزيز الحلو، وحركة جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور والمتبقي من الحركات المسلحة التي لم تنضم لمسيرة السلام، بعد الانتهاء من الاحتفالات.
ودعا مراقبون ومحللون سياسيون حركتي عبدالعزيز الحلو (في جنوب كردفان- جبال النوبة- جنوب غرب السودان) وعبدالواحد محمد نور (في وسط وغرب إقليم دارفور)، إلى الانضمام إلى ركب السلام في البلاد، واللحاق بالجبهة الثورية التي وقعت اتفاق سلام مع الحكومة الانتقالية في جوبا عاصمة الجنوب الشهر الماضي.
ويتخوف مراقبون من استحواذ الجبهة الثورية على حقائب وزارية مهمة، وإزاحة قوى الحرية والتغيير من السلطة. بينما يرى آخرون أن دخول الحركات المسلحة في السلطة الانتقالية سيسهم في تعزيز مكانتها لدى الشعب، وكبح جماح الحرب.
في وقت نفى فيه الناطق الرسمي باسم التحالف السوداني، أحد فصائل الجبهة الثورية، حذيفة محيي الدين، ما تردد من شائعات حول تخصيص وزارات بعينها للجبهة الثورية، موضحاً في حديثه لـ(الرؤية) أن حقائب الجبهة الوزارية 5 ولم يتم تسميتها بعد.
من جانبه قال رئيس حزب البعث السوداني يحيى الحسين، إنه متحفظ على الاتفاق؛ لأنه تجاوز الخطوط العريضة التي تم الاتفاق عليها في تحالف نداء السودان، الذي يضم الحركات المسلحة والأحزاب السياسية التي كانت تعارض نظام الإخوان البائد، مضيفاً أن بنود التفويض التي طالب نداء السودان بالتفاوض حولها هي فتح المسارات وإيقاف العدائيات والترتيبات الأمنية.
وأضاف الحسين “عموماً نحن في حزب البعث نرحب بالسلام ونختلف حول تفاصيل الاتفاق مثل وجود تفويض لبعض حملة السلاح في مناقشة بنود حساسة كان يجب أن تنتظر المؤتمر الدستوري. مع العلم أن القوتين الموجودتين حقيقة على الأرض هي: قوات الحلو، وعبدالواحد، لذلك يعتبر هذا الاتفاق منقوصاً، وقد لا يؤدي إلى سلام نهائي على الأرض”.
بدوره قال رئيس المكتب السياسي لحزب الأمة محمد المهدي حسن، إن حزبه مرحب وداعم للاتفاق، مشيراً إلى أن الاتفاقية مشهودة ومسنودة بالمجتمع الدولي والإقليمي. مطالباً الحركات بتنفيذ الاتفاق دون الإخلال بقيمه.
صحيفة السوداني