فشل مُركَّب

* ذكرنا بالأمس أن وزارة التربية والتعليم أجّلت انطلاقة العام الدراسي مرتين، والحقيقة أنها فعلت ذلك ثلاث مرات، من مطلع يونيو إلى السادس من سبتمبر، ثم إلى السابع والعشرين من سبتمبر، إلى الثاني والعشرين من نوفمبر، قبل أن يخرج الدكتور عمر القراي، ليعدنا باحتمال إلغاء العام الدراسي المقبل، تبعاً لشُح المواصلات والوقود والخبز، ولأن فتح المدارس في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية سيقود في رأيه إلى (مظاهرات)!
* من أفتى في أمر الأزمة الاقتصادية وتداعياتها المُحتملة، وربطها بالعام الدراسي الجديد ليس وزير المالية ولا التجارة ولا الداخلية ولا التربية نفسها، وهو ليس مسئولاً عن توفير السلع الإستراتيجية وتأمين النواحي الأمنية، وعمله محصور في المناهج وحدها.

* عندما فشل القراي في تنفيذ وعده القاضي بتعديل المناهج ابتداءً من العام الدراسي الحالي وقع في المناهج الحالية تقطيعاً، وأصدر مجموعة من المنشورات، أوسع بها الكتب الدراسية بتراً وتمزيقاً، دون أن يتكرَّم بتوضيح المنهج العلمي الذي اتبعه في تنفيذ مجزرةٍ عشوائية، طالت كل مواد مرحلتي الأساس والثانوي.
* وضح من متابعتنا لتلك المنشورات أن مدير المركز القومي للمناهج يعمل على تعديل المناهج وفقاً لأيديولوجية محددة يؤمن بها، وأن عمله سياسي بالدرجة الأولى، ويخلو من أي منطلقات علمية أو دراسات أكاديمية، مثلما لم ينتج عن أي مؤتمرٍ أو ورش عمل، أو حتى ندوات أكاديمية يشارك فيها خبراء ومختصون يحللون المنهج الحالي، ويوضحون مناقصه وعيوبه وكيفية إصلاح شأنه، برؤيةٍ مهنيةٍ بحتة، لا تتحكم فيها أفكار فرد، أو عقيدة فاسدة، يزعم من يؤمن بها بأن القرآن المدني غير صالح للتدريس على تلاميذنا، لأنه يحوي آياتٍ للعذاب تخيف الطلاب، وتشجع على الإرهاب!
* بكل بساطة قرر سيدنا القراي شطب (41) آية من سورة الصافات، و(47) آية من سورة (ص)، و(17) آية من سورة (يس)، وشطر سورة الصافات إلى نصفين، ليفتي بأن الآيات المحذوفة جزافاً لا تصلح لطلاب الصف الثامن أساس، كما أزال (56) صفحة من كتاب الفقه والعقيدة، وسايرته الوزارة ولم تسأله عن سبب إقدامه على تمزيق المنهج شر ممزق!

* شملت حملات القراي الانتقامية شطب صفحاتٍ في غاية الأهمية من كتب الرياضيات، فألغت دروس الأساس والقوة واللوغاريثمات، ونظرية المتوسطات، وأزالت (التباين)، وشطبت معادلة الدرجة الثانية، ثم عطفت على كتاب (نحن والعالم المعاصر) المختص بالتاريخ للصف الثامن، فأزالت منه (الثورة المهدية) بالكامل، دون أن يتكرم من فعل ذلك كله بتوضيح مآخذه على الدروس المحذوفة، ودوافعه المرتبطة بمنطلقات سياسية بحتة.
* تجاوز مدير المناهج نطاق عمله، وحدود تكليفه المحصورة في تجهيز المحتوى العلمي للكتب الدراسية، وأراد أن يحول المركز والوزارة إلى (تاجر)، يحتكر طباعة الكتاب، ويمنع القطاع الخاص من المساهمة في الطباعة ولو بسعرٍ أقل، ويحرم منه قطاع التعليم الخاص، الذي يحوي أكثر من سبعة ملايين طالب، لا يدري أحد من أين سيحصلون على كتبهم، وبأي ثمن سيشترونها.
* صمتت الوزارة على عبث القراي بالمناهج، بل سايرته فيه، ودعمت ما يفعله بكتبٍ قيمة، عكف المئات من خبراء التعليم والمناهج في بلادنا على تجهيزها بكل عناية على مدى السنوات، وصبّوا فيها خلاصة معارفهم وخبراتهم، الخالصة لوجه الله والتعليم، الخالية من الغرض، المنزهة من الأفكار المنحرفة والعقائد الفاسدة.

* لو اقتصرت حملات الإلغاء والحذف على المناهج الأدبية لربما صدقنا أنها كانت مُسيّسة بأمر (الكيزان)، لكن الإلغاء والإزالة شملا موادّ علمية لا يستطيع كائن من كان تسييسها، إذ كيف يمكن لمناهج الرياضيات والعلوم مثلاً أن تدار برؤية سياسية؟ هل سيتم إلباس اللوغاريثمات ودروس الصوت والضوء والكربون مثلاً ذقوناً كيزانية لعينة؟
* يجب على الحكومة ممثلة في مجلسي السيادة والوزراء أن تتدخل لإيقاف العبث الذي يمارسه القراي ووزارة الفشل والتهرب من المسئولية بالمناهج، وأن تتدارك العام الدراسي الجديد قبل أن يلحق أمات طه، ويطاله سيف الإلغاء للمرة الأولى في تاريخ السودان

مزمل ابو القاسم – صحيفة اليوم التالي

Exit mobile version