جعفر عباس: ملف العنف في السودان

يحلو لنا الزعم بأنهم مسالمون ومتسامحون ولكن وقائع التاريخ القديم والقريب تؤكد أننا كثيرا ما نميل الى حسم خلافاتنا بالعنف المفرط، وإليكم في عجالة ما يؤكد ذلك:
= صاحب دخول قوات المهدي الى الخرطوم في يناير 1885، الكثير من العنف ولكن وبما انها كانت حركة تحرر وطني تقاتل ضد عدو شرس فهناك ما يبرر ذلك لأنه جاء في سياق معركة
= كان الأمير عبد الله ود سعد مجاهدا كبيرا في صفوف الثورة المهدية، ولكن قومه الجعليين رفضوا إخلاء المتمة كي يعسكر فيها جيش محمود ود احمد الذي كان مكلفا بالتصدي للجيش البريطاني الغازي بقيادة كتشنر، فاعتبر الخليفة التعايشي ذلك تمردا وارسل جيشا جرارا الى المتمة وبعد معركة ضارية قتل ود سعد وأبيد المئات من اهل المتمة وكانت مجزرة عرفت ب”كتلة المتمة”
= في الأول من مارس 1954 وهو اليوم المحدد لافتتاح اول برلمان كان الجو السياسي مكهربا حيث كان الحزب الاتحادي يؤيد الوحدة مع مصر بينما كان حزب الامة ينادي بالاستقلال التام، وتمت دعوة وفود من مصر وبريطانيا لحضور حفل افتتاح البرلمان ومن بينهم وزير الدولة للخارجية البريطانية سلوين لويد، ومحمد نجيب الذي كان رأس الدولة في مصر (قبل ان ينقلب عليه جمال عبد الناصر)، وفي ساحة الاحتفال حصلت مخاشنات بين الشرطة وجموع الأنصار تطورت الى عنف بالسلاح راح ضحيته 34 شخصا من الطرفين بينهم قائد الشرطة ونائبه
= في فبراير 1956 أي بعد الاستقلال بأقل من شهرين كان هناك خلاف بين مزارعي مشروع جودة في النيل ابيض وإدارة المشروع بسبب عدم تسلم المزارعين حقوهم لثلاث سنوات، وحدثت مواجهات بين الشرطة والمزارعين سقط فيها بعض القتلى، وتم ارسال اعداد هائلة من قوات الشرطة الى جودة قامت باعتقال مائتين من المزارعين وحسبهم في عنبر من الزنك ليس له نوافذ في حامية كوستي العسكرية وصبيحة اليوم التالي تم اكتشاف هلاك الجميع ما عدا ثلاثة كانوا قد وجدوا ثقوبا صغيرة في جدار الزنك ساعدتهم على التنفس، ودفنت السلطات الموتى في حفرة جماعية
= في نوفمبر 1959 وفي ظل حكومة إبراهيم عبود تم احباط محاولة انقلابية قبل أن تبدأ، وبعد محاكمة سريعة تم اعدام البكباشى على حامد والبكباشى يعقوب كبيدة، والصاغ عبد البديع على كرار، واليوزباشى طيار الصادق محمد الحسن واليوزباشى عبد الحميد عبد الماجد
= في أغسطس 1961 (عهد عبود) وخلال الاحتفال بالمولد النبوي في ام درمان حدثت مواجهات بين الشرطة وأنصار المهدي فتحت خلالها الشرطة النار على الأنصار وقتلت منهم كثيرين وسقط قتلى أيضا في صفوف الشرطة
= حكم نميري شهد عدة محاولات انقلابية أولها ما نفذه الضباط الشيوعيون وانتهت بإعدام 18 شخصا، وفي اليوم الذي تم فيه اجهاض الانقلاب الشيوعي حدثت مجزرة بشعة راح ضحيتها نفر من الضباط الذين كانوا رهن الاعتقال وتم اتهام الضباط الشيوعيين بارتكابها بينما تفيد تقارير بأن عسكريين تحركوا للإطاحة بالشيوعيين ونميري معا هاجموا بيت الضيافة وارتكبوا المجزرة
= في 5 سبتمبر 1975 قام ضباط معظمهم إسلاميون بمحاولة انقلابية سيئة الاعداد والتنفيذ ضد حكم نميري بقيادة المقدم حسن حسين، وتم القضاء على المحاولة بسهولة وتقديم من شاركوا يها الى محكمة في عطبرة قضت بإعدام كل من حسن حسين، والرائد حامد فتح الله، والنقيب محمد محمود التوم، والملازم أول عبد الرحمن شامبي نواي، والملازم أول حماد الإحيمر، والملازم أول القاسم محمد هارون وعباس برشم، (من طلاب جامعة الخرطوم) بالإضافة إلى ستة عشر من الرتب الأخرى
= في يوليو 1976 نفذت الجبهة الوطنية (الامة والاتحادي والاخوان) انقلابا بعناصر تم تدريبها في ليبيا واثيوبيا بقيادة العميد محمد نور سعد، وبعد معارك ضارية في شوارع الخرطوم نجحت قوات نميري في اجهاض المحاولة، وتلت ذلك عمليات اعدام جماعية في الحزام الأخضر، وكان هناك شاب من جنوب دارفور اسمه حامد يعمل “مراسلة” معنا في إدارة التلفزيون التعليمي كان ينام في مكاتب الإدارة ليلا، وتم اعتقاله بمظنة انه كان من المكلفين باحتلال التلفزيون وتم اجباره ومعه العشرات على حفر خندق طويل وأوقفوهم في طابور لإعدامهم بالجملة وفجأة رآه جندي كثيرا ما جالسه أثناء قيامه بحراسة مبنى التلفزيون، وابلغ الضابط ان حامد مجرد عامل في التلفزيون وهكذا نجا من الموت
= والفظائع التي ارتكبها حكم البشير في حقوق المعتقلين قتلا وتعذيبا واغتصابا يشيب لها الولدان
= والذين قتلوا الملايين في دارفور وكردفان والجنوب سودانيون وبداهة فإن معظم القتلى من المدنيين
= والذين قتلوا اكثر من 200 متظاهر في سبتمبر 2013 في غضون أسبوع واحد سودانيون
= والذين اجتمعوا وخططوا لفض الاعتصام أمام القيادة العامة في 3 يونيو 2019 سودانيون، والذين فتحوا النيران على الناس الصائمين النيام سودانيون والذين أتوا بسيارات اسعاف لنقل الضحايا والإلقاء بهم في النيل سودانيون
= والصراعات الدموية بين القبائل صارت وجبة شبه يومية
نحتاج الى ان نكون صرحاء مع أنفسنا ونعترف باننا نفتقر الى ثقافة السلام، ونميل الى حسم الخلافات بالقوة ولو عقدنا مليون اتفاقية سلام مع مليون طرف فلن يكون هناك سلام ما لم نقتنع افرادا وجماعات بأن التعايش السلمي وحل الخلافات سلما امر ممكن وواجب

جعفر عباس

Exit mobile version