ربما ساعات معدودة أصبحت تفصلنا من وصول وفود الجبهة الثورية الموقعة على اتفاقية سلام (جوبا) بينها وبين الحكومة حقيقة لا أعلم ما ينتظر الخرطوم يوم غد الاحد من زخم سياسي فالقادمين بعضهم آتٍ من جوبا وبعضهم من دولة الإمارات وبعضهم من داخل مناطقهم (المحررة) وسيأتي ذلك متزامناً مع قدوم وفد إسرائيلي زائر للخرطوم مستبقاً تكوين الحكومة الجديدة لتوقيع بعض الاتفاقات وأهمها السماح بعبور الطيران الإسرائيلي للاجواء السودانية ولا أدري حقيقة هل سيكون هو إحتفال بالسلام أم إستقبال لضيوف (برأيي) لم يحسنوا توقيت الزيارة.
لا أشك أن أحداً من أهل السودان سيرفض السلام رغم أن بنوده ما زالت محل السرية والكتمان ولكن يكفي أن عنوانه وقف الحرب والتشرد والنزيف الداخلي لشرايين هذا الوطن المنهك، لن أكن مُتشائماً وسأظل أدندن برائعة ود اللمين (يا يوم بكرة ما تسرع تخفف لىّ نار وجدي) رغم أن الذي سيحدث غداً قد حدث مرات ومرات ولم يصمد ورغم المخاوف من (العوارض) كالتي نشرتها بالأمس صحيفة [متاريس] الإلكترونية عن إنسلاخ (15) قيادياً بحركة مني أركو منّاوي وإنضمامهم لحركة عبد الواحد محمد نور وإن كانت الصحيفة لم تفصل في خبرها الوزن الحقيقي لهؤلاء المنسلخين من حيث العدد والعتاد وهل هم كل عشرة في (دوشكا وتاتشر) أم أنهم فصائل لها ثقلها إلا أن (خبر) الانسلاخ في حد ذاته يُعتبر شرخاً في جسم السلام الوليد ولكن (برأيي) يجب أن لا يتوقف الناس عنده كثيراً فذاك شأن حركة وعليها معالجته وإن كان من رسالة فهي التأمين على صمام الوحدة الوطنية التي يجب أن تكون أولى مهام الحكومة الجديدة والدعوة للمصالحة الوطنية الحقة وإصلاح كل ما شاب أجهزة الدولة خلال العام والنصف الفائت سواءً في القضاء والأمن والجهوية والعنصرية التي أصابت النسيج الاجتماعي.
ولن يكن الأمر سهلاً أمام الحكومة الجديدة إن لم تتحلى بالعقلانية والاناءة والنظرة الثاقبة إن كانوا قادة بحق فما أكثر المظاليم خلف القضبان وهذا (برأيي) أول ملف يجب أن تفتحه الحكومة القادمة بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين وإستمرار المحاكمات بالضمانات العادية لكل من أجرم في حق الوطن وأن لا يفلت أحد من العقاب والسعي لاستنهاض الطاقات البشرية واستثمار الثروات التي يذخر بها هذا السودان العظيم. فنريد أن نسمع وبالصوت العالي أن الوطن يسع الجميع وأن نسمع أن لا لتسيس القضاء ولا للاعتقال التعسفي ولا لمصادرة أملاك الناس بلا حكم قضائي ولا للتشفي و(فش الغبينة) ولا للتمكين دون الكفاءة ونريد أن يتم إعادة مراجعة كل قرارات الحكومة السابقة وإخضاعها للتمحيص من كل ظلم وخطيئة، نريد أن يلتفت الوزراء الجدد للشعب وللصفوف وللندرة ومعالجتها بإستقطاب كل الكفاءات الوطنية المخلصة بعيداً عن الانتماء السياسي حتى ينهض هذا الوطن ولو متثاقلاً ليُصحح المسار وينطلق مارد أفريقيا مرة أخرى.
لا نريد الحكومة الجديدة أن ترهن القرار الوطنى من أجل حفنه قمح أو لتر بنزين ونعم للشراكات المنصفة التى تعالج التعثر الاقتصادي ولا ترهن الارادة الوطنية للخارج، لا لسياسة المحاور والتكتلات إلا بما يعود بالنفع لهذا الشعب، إتعظوا بما حدث لبعض الدول التى عانت ذات الأوضاع فرهنت إرادتها حتى أصبحت كلمتها لا تكتمل إلا بعد توقيع ثلاثه أو أربع دول! إستحضروا أن الفقر والتخبط ليس عيباً بل العيب بيع المبادئ والقيم الوطنية من أجل القمح والوقود والدولار الأخضر. فمرحباً ببشريات السلام فكونوا (رجالاً) في الكلمة والمبدأ والحق وإلتصقوا بشعبكم حتى تعبر الفترة الانتقالية بسلام ولا يذل سوداني واحد بسبب فقره وجوعه.
رسالة أختم بها إلى القائدين جبريل ومناوي وكليهما قد خبر الحرب والسلام أن يكونا قدر المسؤولية التاريخية التي سيشهدها التاريخ غداً بالخرطوم وها هي الفرصة قد أتتكما فإما أن تكونا وطنيان بحق وإما أن تكونا من (أرزقية) الحرب والسلاح فاختارا أياً من الطريقين والشعب يراقب وينتظر فمرحباً بكما.
قبل ما أنسى: ـــ
(برأيي) توقيت المناورات الجوية بين مصر والسودان التي انطلقت من مطار مروي شمال السودان لم يكن موفقاً في ظل إنشغال الخرطوم بإحتفالات السلام واعلان حكومتها الجديدة وفي ظل ما يدور على حدودنا الشرقية من حالة نزوح كبيرة بسبب حرب الحكومة الاثيوبية بإقليم (التغراي) فكان يمكن تأجيل هذا التمرين الجوي لوقت آخر حتى لا يفهم أنه رسالة (إستفزاز) لأثيوبيا وسد النهضة. ويقال أن طائرة (الميج) بإمكانها قطع المسافة بين مروي والسد في عشرين دقيقة! فحتى الاسم (أسود النيل 1) لم يكن موفقاً فما أكثر دول النيل! فهل جميع الأسود مشاركة؟ ونخشى أن يؤتى السودان على حين غرة بسبب الفراعنة أصحى يا (برهان).
بقلم: صبري محمد علي (العيكورة)- صحيفة الانتباهة