قناة الجزيرة وأخرى

(1 )
اليوم لست بصدد الجزيرة (دي) إنما بصدد الجزيرة (ديك). رغم ان الجزيرة في وسط السودان ارتبطت بالنظام الرأسمالي الغربي وذلك بإنتاج القطن لمصانع النسيج في لانكشير التي كانت تكسي كل العالم فأصبحت جزيرتنا من معالم العالم الحديث المشهورة لأنها كانت (تكسي في الماشين عرايا وفوقا يتقطع هدوما) ولكن ما أن ظهرت قناة الجزيرة التلفزيونية إلا واستحوذت على الشهرة و(قلعت) اسم الجزيرة لا سيما وأن جزيرتنا أخذت تتراجع في عطائها وبدأت الشيخوخة تزحف عليها لأنها خلطت السياسة بالزراعة. قناة الجزيرة ظهرت بإمكانيات مادية كبيرة وخبرات إعلامية كبيرة وتقانات عالية فصرفت عليها إمارة قطر صرف من لا يخشى الفقر فأصبحت مهوى عيون هواة الأخبار. هذه الأيام اجتمعت الجزيرتان في دواخلي بحكم أنني أسكن (دي) أما (ديك) مفتوحة أربع عشرين ساعة في منزلي لمتابعة الانتخابات الأمريكية. جزيرتنا حالتها زي الزفت بسبب تدني الاستعدادات للموسم الشتوي، بينما جزيرة الجزيرة القطرية وصلت السما وهي تتابع الانتخابات الأمريكية.

(2 )
قناة الجزيرة قناة مثيرة للجدل فهي أبعد ما تكون عن الحياد وغشاء الموضوعية فيها في غاية الرقة ولكنها بفنياتها العالية وقنواتها المتعددة أصبحت الأولى في عالم الإعلام العربي. قناة الجزيرة أسهمت في إشعال كافة ثورات الربيع العربي، ولكنها أسهمت بنفس القدر في وأدها جميعا وهذا التناقض نابع من موقف الممول المتناقض. بعد أن حدث الصراع الخليجي \ الخليجي 2017 أصبحت الجزيرة سافرة في عدائها لأعداء الدوحة. لقد وصلت مرحلة الفجور في الخصومة. وقد يخفف عنها أننا نرى ما تبثه الجزيرة ولكننا لا نرى ما يفعله الآخرون بممول الجزيرة ولكن مهما يكن من أمر فمراعاة أساسيات مهنة الإعلام والالتزام بأشراطها مطلوب لا سيما من قناة رائدة في مجالها، فكسر رقاب الأخبار تعرضها حتى لسخرية الصغار الذين لا يعرفون الكثير عن خبايا السياسة.

(3 )
مهما يكن لنا من رأي في قناة الجزيرة وعدم حيدتها إلا أنها في تغطية الانتخابات الأمريكية في هذه الأيام (سوت الفوت) لقد سخرت إمكانياتها الضخمة واستخدمت فنياتها العالية في تغطية هذا الحدث العالمي. كمشاهد حر كنت أتجول بين قنوات العرب والعجم لملاحقة هذه المناسبة المثيرة، ولكن ماهي إلا ساعات إلا واعتقلتني قناة الجزيرة بتفوقها على غيرها، استديو في الدوحة واستديو في واشنطون شبكة مراسلين في كافة الولايات الأمريكية واستنطاق معلقين خبراء (مش عنقالة) من كافة أنحاء العالم لقد ألغت الجزيرة برمجتها العادية وركزت على الحدث الأكبر. ولكن التنوع في التناول من داخل الحدث أزال الملل وبعث الحيوية. لقد كانت الجزيرة محايدة تماما بين المتنافسين وتركت الانحياز للصورة وألسنة المتحدثين.لقد طارت الجزيرة مع تغريدات ترامب وغاصت في ضل بايدن التقيل. لم تترك لهذه الانتخابات عقدة إلا وفكتها ولا فاصلة إلا ووصلتها.

(4 )
دروس عدة يمكن استخلاصها من تمرين الجزيرة أعلاه أولها أن الفكاك من التبعية الإعلامية ممكن جدا. إن العملية الإعلامية في جوفها كل معارف الدنيا من علوم اجتماعية وإنسانية. إن الإرادة الفردية هي التي تصنع إرادة المؤسسة وليس العكس. إن الإعلام يمكن أن يكون رأس الرمح في التغيير وليس التابع للحدث دوما. والأهم وبطريقة تغطيتها للانتخابات الأمريكية لقد لقحت الجزيرة رياح العرب ببذور أشواق الديمقراطية.

عبد اللطيف البوني – صحيفة السوداني

Exit mobile version