الوزير الغاضب

* لا ندري ما الذي لم يُعجب وزير التجارة مدني عباس مدني، في السؤال الذي وجهه إليه الزميل علي الدالي، حول ملابسات إنشاء الشركة السودانية للسلع الاستهلاكية، ولا نعرف ما الذي جعل الوزير يستشيط غضباً منه ليزعم أن ما سُئل عنه (تفاصيل ساكت)، ويدعي أن الصحافيين كانوا يخشون السلطة في زمن الكيزان (وما بقدروا يسألوا أسئلة زي دي)!
* بحمد الله زال عهد الكبت، وسقطت الحكومة التي كانت تقمع الصحافة، فلماذا يستكثر مدني عليها أن تستغل أجواء الحرية لتسأله، وتتأكد من أنه حفِظ المال العام من الهدر، واتبع صحيح القانون في إجراءات إنشاء الشركة المذكورة؟
* ليست مشكلة الصحافة ولا الصحافيين إذا كان مدني جاهلاً بالأدوار التي لعبتها السلطة الرابعة في محاربة فساد العهد البائد، ولا يقدح في عملها أن لا يدري وزير التجارة الثمن الباهظ الذي تكبدته الصحف على أيام حكم الإنقاذ، فالأرشيف موجود، ويشهد على أن الصحافة السودانية ظلت عصيةً على الترهيب، قويةً وصامدةً في مواجهة القمع الذي طالها، بالحظر من الكتابة، وإيقاف الصدور، والمصادرات الليلية، والاستدعاءات المتكررة، والاعتقالات الأمنية، والمحاكمات الجائرة.

* ثم.. كيف يصف وزير التجارة سؤالاً عن ملابسات إنشاء شركة حكومية بأنه (تفاصيل ساكت)؟

* هل يتوهَّم أن تلك التفاصيل ليست مُهمة، ولا تستحق الاستفسار عنها، للتأكد من أن الوزير الذي أتت به الثورة اتبعها، واحترم القانون الذي نصَّ عليها، ولم ينفق مليماً واحداً من المال العام في غير محله؟
* إذا كانت تلك حدود استيعابه لمقتضيات العمل العام فعليه أن يترجل من منصبه لأنه لن يكون جديراً به، علماً أن الأسئلة التي وجهها إليه الدالي سبق أن طُرحت عليه في هذه المساحة قبل عدة شهور، ولم يتكرم بالإجابة عليها حتى اللحظة.
* منها سؤال يتعلق بمسببات إنشاء شركة تمتلك وزارة التجارة (80‎%‎) من أسهمها، بينما تؤول العشرين في المائة المتبقية لوزارة المالية.. لماذا تريد وزارة التجارة منافسة القطاع الخاص بالمتاجرة في السلع الاستهلاكية من أرزٍ وعدسٍ وشايٍ وصلصةٍ وصابونٍ ولبن بدرةٍ وغيرها، بعد أن شرعت في تحرير السلع الاستراتيجية، من خبزٍ وبنزين وجازولين وغاز وخلافه؟
* كيف ولماذا تفعل حكومته الشيء ونقيضه، لتخرج من سوق السلع الاستراتيجية بالباب الواسع، وتدخل سوق السلع الاستهلاكية بالشُباك الضيّق؟

* ورد في الإعلان المنشور في الصحف، والذي بادر وزير التجارة بنشره في حسابه على موقع (تويتر)، أن فترة العطاء اللازمة لتوريد السلع التي تتاجر فيها الشركة تمتد شهراً، والمهلة تتسق وتتفق مع نصوص قانون الشراء والتعاقد، فلماذا تم قصرها على أقل من أسبوعين؟
* ما الذي جدَّ على الشركة التي أشرف على تسجيلها أحد المحامين (بمعزل عن الإدارة القانونية لوزارة التجارة)، كي يتم قصم ظهر المدة المحددة للعطاء قبل أن ينتصف أمدها، بمخالفة بيِّنة للقانون، ولشروط العطاء نفسه؟
* ألن يتسبب ذلك التعجل المريب في حرمان شركات أخرى من المشاركة في العطاء، كان من المُحتمل أن تقدم أسعاراً أقل؟
* ثم إننا نسأل الوزير: كيف تم اختيار طاقم الشركة، وهل خضع الاختيار إلى منافسة حرة عبر ديوان شؤون الخدمة ولجنة الاختيار، أم تم قصره على الأصدقاء والمحاسيب من دون منافسة، ولا تدقيق في المؤهلات؟
* نعيد ونكرِّر، ظاهر أمر هذه الشركة (شفافية)، وباطنه دغمسة وغموض ومحسوبية وسير عكس خط الدولة الراغبة في الابتعاد عن المتاجرة في أهم السلع، الساعية إلى عدم منافسة القطاع الخاص.
* ستظل تلك الاستفسارات قائمةً، وستُطرح على الوزير الغاضب كلما أتت سيرة الشركة السودانية للسلع الاستهلاكية، لأنها تتعلق بتفاصيل مهمة، ومالٍ عامٍ، يريد مدني لملابسات إنفاقه أن تظل مُبهمةً، بذات النهج الذي ظهرت به شركة حكومية مُريبة، أنشأتها وزارة التجارة بمخالفة بيِّنةً للقانون، لأن مدني اكتفى بالحصول على موافقة (وزارة) مجلس الوزراء على إنشائها، بينما يلزمه القانون الحصول على موافقة (مجلس الوزراء).
* إذا كان الوزير المُبجَّل لا يعرف الفرق بين (وزارة) مجلس الوزراء و(مجلس الوزراء) فالإقالة أولى به، ونجزم أن لم يغضب من السؤال، بقدر ما اتخذ من غضبته المصنوعة مسوغاً.. للتهرب من الرد.
* لو كان يمتلك رداً شافياً.. لأجاب.

مزمل ابو القاسم – صحيفة اليوم التالي

Exit mobile version