محمد محمد خير يكتب : هل بلغنا هذا الحد؟

أتعس اللحظات
يومان قاسيان قضيتهما هنا منذ يوم الأول من أمس، فقد أرسلت شقيقتي رسالة “واتساب” تستفسر فيها عن أحوالي الصحية. لفت نظري أنها أرسلتها حوالي الثالثة صباحاً بتوقيت السودان، فاستفسرتها عن سر هذا الأرق غير أنها طمأنتني بأنها بخير ولكنها لا بد أن تساهر حتى هذا الموعد لتتمكّن من ملء البرميل لأن الماء يجف صباحاً. رغم أن إجابتها لم تكن مُدهشة لأنني عايشت هذه التجربة كثيراً في السودان، إلا أن ما أدهشني أن ذلك لا يحدث في الشتاء لكن يبدو أن السُّوء صار لا يأبه بالفصول!

ابتلعت هذه المرارة على أمل بارقة مغايرة تُعيد التوازن باتجاه التفاؤل، غير أنني قرأت على لسان الدكتور محمد عبد الله عليو والي شرق دارفور، أن مدينة الضعين تعيش ظلاماً دامساً منذ أسبوع بسبب توقُّف الشركة التركية عن مد الولاية بالكهرباء على خلفية عجز حكومة الولاية عن تسديد مستحقات بلغت (15) مليون دولار، في وقت لا تمتلك الحكومة (15) مليماً على حد قوله!!! لم يستوقفني حديث عليو رغم وضوحه الشديد، لأنّ فجيعة أكبر تنطوي على قوله، فأين مئات الآلاف من أبقار الضعين عن مشروع الفول السوداني المهول بين حكومة الولاية وشركة مامون البرير؟ وأين قطعان الضأن ومشروعات الذرة والدخن? إذا أصبحت ولاية بهذا الثراء في عداد من لا يملك (15) مليماً فماذا عن الولايات الأخرى?

قبل استفاقتي من هذه الهزّة طالعت الخبر الأدهى. الخبر الذي حمل الجراح ومعنى الكبرياء والذل والانكسار والتلويح بالعزة، وهو ما كشف عنه البروفيسور محمد الأمين التوم بأن وزارته عجزت عن طباعة الكتاب المدرسي بسبب انعدام المال، وأنهم في سبيل طباعته اتّصلوا بسفارات أجنبية لتوفير المال ولم يجدوا استجابة إلا من سفارة واحدة أعادوا لها تبرعها لأسباب لم يسهب في توضيحها!!!

البروفيسور التوم واحدٌ من عباقرة السودان، ومضرب المثل في أوساط الأكاديميين المرموقين، وأحد العقول النادرة في مضمار الرياضيات، هذا بخلاف العفة والطهر والسيرة الأكثر بياضاً ولمعاناً. كيف يلجأ للسفارات لطباعة الكتاب المدرسي والسفارات نفسها ليس لدولها رابط. فهي لا تجمعها منظومة كمنظومة الدول الاشتراكية أو عدم الانحياز أو حلف الناتو أو مجموعة العشرين أو الأوبيك؟!!

لم يفجعني الخبر الصاعق والمُذل بقدر ما خلخلني منهج اختيار هذه الدول دُون سواها وتفضيلها على الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية ومنظمة الأوبيك والجبهة الثورية!!!

ترى هل اتصلت وزارة التربية والتعليم بهذه السفارات عن طريق وزارة الخارجية? وما هي لغة خطاب مثل هذه المراسلات غير المألوفة دبلوماسياً، لأنني لا أتصوّر أن الخارجية في كل تاريخها تلقّت مراسلة تستهدف تبرعاً من سفارة تقع ضمن مسؤولية الخارجية!!! وهل إعادة المبلغ الذي تبرّعت به إحدى السفارات المُستهدفة كان (كاش) أم بشيك؟ وفي هذه الحالة باسم مَن تمّ تحرير الشيك وهل إعادته لضآلته تم بمُشاورة الخارجية أم بغضب السائل?!

لاحظت أن السفارات التي تمت مُخاطبتها ليس من بينها سفارة عربية واحدة كسفارة (الجمهورية السعودية) على حد تسمية وزير الأوقاف والعرب أهل مكارم ومواعين دهن وأهل فزع، فلماذا حرمتهم وزارة التربية والتعليم من هذا الشرف الرفيع والعرب هم من ظلُّوا يرسلون لنا الخيام والبسكويت والقرقوش ويحبوننا وينادوننا (بيا زول)?!!

هذا ليس وزير التقطه التشكيل الانتقالي من حائط الفيسبوك أو حلق الهتاف. إنّه بروفيسور محمد الأمين سليل كمبردج وربيب الرياضيات البحتة ومدير مدرسة علوم الرياضيات. من صلب الأكاديمية ومن ترائب الصفاء الذهني!!!

قبل أن استفيق داهمني خبر عن تفاصيل (الإغاثة الهندية) التي تم استلامها في بورتسودان!!!

ثم قرأت عدة مقالات حوت (حنبنيهو) والمسار الديمقراطي في السودان واعتزال ماما أميرة اللايف في الفيس.

محمد محمد خير

Exit mobile version