مرة أخرى عادت جائحة “كورونا” لبث القلق في أنحاء العالم مجدداً، وبالطبع لم يكن السودان استثناء من هذه الموجة الثانية المقلقة بالرغم من انخفاض عدد حالات الاصابة خلال الأشهر الثلاثة الماضية الأمر الذي أدى لتراجع الاهتمام بهذه الجائحة، وغياب اللجنة العليا للطوارئ الصحية التي كانت تتصدر المشهد، مؤقتاً، وهذه المرة عادت “كورونا” بقوة وبدأت بإصابة قادة السياسة السودانية وبعض التنفيذيين، وأثارت المخاوف تارة أخرى، مع ترقب كبير لقادم الأيام.
بداية مقلقة
قبل عدة أيام أعلنت أسرة رئيس حزب الأمة القومي، الإمام الصادق المهدي عن إصابته بـ(كورونا) والتي نقل على إثرها إلى مستشفى علياء التخصصي بعد يومين من إعلان الإصابة، وبعد استقرار حالته الصحية نُقل الإمام إلى دولة الإمارات العربية المتحدة بطائرة خاصة لإجراء مزيد من الفحوصات الطبية وفقاً لقرار مؤسسات الحزب السياسية والدعوية- طبقاً لبيان رسمي.
عقب إصابة المهدي، أعلنت الأسرة عن إصابة (20) شخصا آخرين من الأسرة والعاملين بالمنزل بسبب مخالطتهم للإمام الصادق، قبل أن تلحق بهم كريمة الإمام د. مريم الصادق المهدي ويصبح عدد المصابين (21) من آل المهدي وعدد من قيادات حزبه.
لم تكن الإصابة حصرية على آل المهدي، بل تسللت إلى مجلس الوزراء إذ أعلن في ذات اليوم عن إصابة كبير مستشاري رئيس مجلس الوزراء الشيخ خضر ومدير مكتبه علي بخيت، إلى جانب محافظ بنك السودان المركزي الفاتح زين العابدين بعد إجراء الفحص الروتيني لـ(كورونا)، وأثبتت الفحوصات سلامة رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك.
تزايد الأرقام
خلال يومين فقط بدأت حالات “كورونا” تزداد في البلاد بصورة مضطردة، بعد أن كان التقرير الصحي أصبح يصدر كل يومين وأحياناً مرة واحدة في الأسبوع ليعلن عن إصابة واحدة أو اثنتين وربما تزيد إلى عشرة أحياناً، لكن هذه الأسبوع شهد الإعلان عن عدة حالات، وذكر أحد تقارير الإدارة العامة للطوارئ الصحية عن يوم السبت الماضي، أنه تم تسجيل (47) حالة جديدة مع عدم وجود حالة وفاة او شفاء، وبدا أن أعداد الحالات المسجلة مؤخراً آخذة في الارتفاع مقارنة بتقارير الفترة الماضية، وأعلنت وزارة الصحة في آخر تقاريرها اليوم “الخميس”، عن تسجيل (38) حالة إصابة جديدة ولم تسجل اي حالة وفاة او تعافٍ حسب التقرير التراكمي ليوم الثلاثاء (3 نوفمبر)، وبلغ العدد الكلي للحالات منذ بداية الجائحة (13.943) والوفيات (837)، فيما بلغ عدد المتعافين (6764) حالة.
وتلاحظ أيضاً أن معظم الحالات الجديدة سجلت في ولاية الخرطوم إلى جانب ولايات الجزيرة، النيل الابيض، كسلا وسنار.
حمى الشائعات
مع تزايد الأحصائيات والإعلان عن إصابات سياسيين وتنفيذيين، بدأت حمى الشائعات تنطلق في الوسائط المختلفة هنا وهناك، ومنها الاتجاه إلى إغلاق البلاد مرة أخرى وتأجيل العام الدراسي واتخاذ إجراءات احترازية مشددة، إلا أن وزارة التربية والتعليم أكدت على موعد استئناف العام الدراسي في نوفمبر الحالي، فيما أكد مجلس الوزراء عدم وجود أي اتجاه للاغلاق الجزئي أو الكامل للبلاد حالياً، راهناً الامر بإزياد الحالات، وأوضح أن لجنة الطوارئ الصحية هي الجهة المخول لها أن تقرر بشأن ذلك.
حمى الشائعات والتطورات الجديدة دعت اللجنة العليا للطوارئ الصحية إلى عقد اجتماع استعرض الأوضاع الصحية بالبلاد عامة، ومن بينها الوقوف على تطورات جائحة “كورونا”، وأوضح وزير الصحة المكلف أسامة أحمد عبد الرحيم في تصريح رسمي، أن الإغلاق يتوقف على مدى انتشار المرض وقدرة المجتمع على التعامل مع “كورونا”، وكشف عن زيادة الحالات في السودان خاصة خلال اليومين الماضيين، وأكد أن التعامل مع “كورونا” سيكون على حسب الانتشار, وذكر أن المحدد الرئيسي للانتشار هو طريقة التعامل المُجتمعي مع الجائحة.
ودعا الوزير لضرورة الالتزام بالاشتراطات الصحية، خاصة الالتزام بارتداء الكمامات في الأماكن العامة والتباعُد الاجتماعي قدر الإمكان، وأوضح أن الوزارة ستعمل على توفير عدد كبير من الكمامات سواء في المؤسسات الصحية أو غيرها، ودعا للالتزام بالموجهات الصحية ورفع الوعي وسط المواطنين لمجابهة جائحة “كورونا”.
وبالرغم من ذلك أعلنت عدد من المدارس الأجنبية بالخرطوم عن تعليق الدراسة إلى أجل غير مسمى، مبررة الخطوة بظهور حالات “كورونا” مشتبه بها في هذه المدارس يوم “الاثنين” الماضي.
ضعف الفحوصات
الطبيب الناشط في التوعية بجائحة “كورونا” محمد قرشي عباس ذهب في حديثه لـ(باج نيوز)، إلى أنه بدراسة مستويات الفحص للمسافرين وحالات الإشتباه خلال الشهرين الماضيين عبر تحليل التقارير الوبائية لوزارة الصحة يُلاحظ أن هناك استقرار في أعداد الإصابات طيلة الفترة الماضية مع ضعف في أعداد فحوصات حالات الإشتباه.
وأوضح أن الزيادة الحالية لا تزال أقل مما كان عليه الوضع في شهر أغسطس مثلا، لذا فإن الإنتباه الحالي لمستويات المرض لا يعكس وضعاً استثنائياً جديداً، نظراً لأن المستويات الأعلى بشهر أغسطس قوبلت بلا مبالاة شعبية وحكومية على عكس ما هو حادث الآن.
وأضاف بأن ما يحدث الآن ليس بموجة ثانية بل هو مجرد انتباه لوضع قائم منذ فترة طويلة، ربما بسبب الاهتمام العالمي بزيادة الحالات الحالية وبوارد الإغلاق بمناطق مختلفة من العالم، بالإضافة لإصابات بين شخصيات معروفة جذبت الاهتمام الإعلامي.
السلبيات قائمة
وأوضح قرشي أنه لا تزال نفس السلبيات القديمة قائمة، وجوهرها اعتبار التعامل مع الوباء هو مسؤولية وزارة الصحة فقط رغم وجود لجنة عليا للطوارئ الطبية! فمن دون تناول الأمر كشأن أمن قومي يخص الدولة ككل على أعلى مستوياتها فلن تحل كل المعوقات الجزئية الأخرى، وأشار إلى أنها ضعف أعداد الفحوصات وعدم القدرة على الاستقصاء الوبائي بتلقي البلاغات وعمل الفحوصات، بجانب تجاهل الإجراءات الوقائية بالمستشفيات وعدم توفير اللبس الواقي حتى الآن، بالإضافة إلى ضعف الوعي المجتمعي بأهمية لبس الكمامات والتباعد الإجتماعي بحيث صار الالتزام بها يؤدي لنبذ إجتماعي، مع سيادة مفهوم يربط بين الكورونا وبين الاستغلال السياسي لها.
باج نيوز