في عام 2008م كتبت في صحيفة ( الرأي العام) قصة حقيقية عن إمرأة عجوز ، تدعى حاجة (آمنة). وكانت حاجة آمنة تلك تقيم في منزل إبنها، و هي ترعى أحفادها بعد وفاة والدتهم.
وفي ليلة عاصفة هطلت الأمطار بشدة، بينما كان إبنها غائباً، وهو يلبي نداء الوطن في دورية ليلية.
إنحدرت المياه بقوة، و أمتلأ بيت حاجة آمنه بالمياه، و غرقت غرفة الطين الوحيدة الموجودة في المنزل بمياه الأمطار.
تلك المياه التي لم تجد (جداول) جاهزة، لتسرع بخطاها نحوها، فانزلقت بأقدامها نحو ذلك البيت، وخلعت نعليها، و أقامت فيه.
وبينما كانت حاجة آمنة وأحفادها يحتمون بمنزل الجيران، إرتفع صوت حفيدها الصغير بالبكاء، طلباً للحليب، فما كان من الحبوبة إلا أن ذهبت إلى غرفة الطين الآيلة للسقوط، لتبحث عن ما تبقى من حليب، فهي ما بين صراخ الصغير ورغبتها في ألا تثقل على الجيران.
دلفت حاجة آمنة إلى تلك الغرفة الطينية، و هي تتوكأ على عصاها لجلب الحليب، رغبةً في أن يسكت الصغير عن الصراخ، حينما يئست من صمت المطر.
وبمجرد دخولها الغرفة إنكسر المرق وإنهارت الغرفة على رأسها، فماتت حاجة آمنة و تركت الصغار يعانون يُتْم الأم والجدة، وإنعدام المأوى وغياب الأب.
تذكرت قصة حاجة آمنة، وأنا أطالع مناظر الدمار الرهيب الذي سببه سوء التخطيط والتصريف والإدارة، ولم تسببه الأمطار والسيول.
وإني على يقين إن قصة حاجة آمنة تحدث الآن بنفس السيناريو والإخراج وأماكن التصوير، والإختلاف فقط في الأبطال، أما قناة البث، فهي ولاية الخرطوم.
إن لسان حال المواطنين هذه الأيام، هو بالضبط ما عبَّر عنه شاعرنا حاتم حسن الدابي حين قال:
بدر مدر يا رواسي نحن بعاد لحقنا القيفة
أنت مدبج و نحن نقاسي في برد أمشير و الموج و الزيفة
مركبك الماليها مطارق تمشي تقيف تسرح بي كيفه
مرة مغارب و مرة مشارق و أنت تخاف الريح و حفيفه
ساوَّها زينة و فوقها بيارق و أنت مدبج توب و قطيفة
فيها المات و الضاربة الفالق و السالمين في حالة مخيفة
كل الناس ترزح في كفة و أنت و ناسك فوق الدفة
الدايشين و الراسهم لفة و الشاخصين في المدى للضفة
صوف أفضالك فوقهم جوة فوق الموية و ريقهم جفّا
من العطش النص اتوفى و باقي النص الفضّل جيفه
خارج السور:
المقال أعلاه قديم كتبته يوم الثلاثاء 5 أغسطس 2014م، الموافق 9شوال 1435 هجرية ..!
ما أشبه الليل بالبارحة نفس السيناريوهات والأبطال …. وبرضو.. بدر مدر يا رواسي نحنا بعاد لحقنا القيفة
سهير عبد الرحيم – صحيفة الانتباهة