النظام الانتخابي الأمريكي !
* يعتقد البعض خطأ ان النظام الانتخابي الأمريكي معقد وغير ديمقراطي باعتماده على نظام (الكلية الانتخابية) أو (المجمع الانتخابي)، ولكنه عكس ذلك تماما، فهو سهل جداً وديمقراطي جداً ومنصف جداً لشعوب أو سكان الولايات الخمسين التي تتكون منها الولايات المتحدة الامريكية !
* أمريكا عبارة عن اتحاد ولايات وليست دولة بالمفهوم الذي نعرفه مثل السودان أو روسيا او ايران ..إلخ، ومن هنا جاء اسم (الولايات المتحدة الأمريكية) الذي اختاره الآباء المؤسسون للاتحاد قبل قرنين من الزمان لعكس طبيعة الدولة الجديدة، كما اختاروا نظام الحكم الفيدرالي (الاتحادي) الذي يحفظ لكل ولاية طبيعتها وخواصها السياسية والاجتماعية المتفردة، بالإضافة الى حقها في إدارة شؤونها واختيار حكامها ومجلسها التشريعي الولائى، والاشخاص الذين يمثلونها في البرلمان الاتحادي ( الكونجرس) أو (المؤتمر) باللغة العربية، الذي يتكون من مجلسين هما مجلس النواب ومجلس الشيوخ، والمشاركة في اختيار رئيس الولايات المتحدة، بما يضمن لكل ولاية حقها في الاختيار حسب حجمها وتعداد سكانها وبعض المعايير الاخرى ..إلخ، حتى لا تنفرد ولاية أو ولايات بعينها بالاهتمام والتحكم في اختيار الرئيس!
*ومن هنا جاء نظام (الكلية الانتخابية) الذي اتفق عليه الآباء المؤسسون للولايات المتحدة بأن يكون لكل ولاية تمثيل معين أو عدد أصوات معين في ما أطلق عليه اسم (الكلية الانتخابية) التي تتشكل من أصوات الولايات الخمسين بالإضافة الى مقاطعة واشنطن التي أضيفت فيما بعد، وحسب هذا النظام فإن المرشح الذي يحصل في الانتخابات الرئاسية على غالبية الاصوات الشعبية في الولاية يفوز بكل اصوات الولاية في الكلية الانتخابية أو (المجمع الانتخابي) حتى لو فاز على خصمه بفارق صوت شعبي واحد، وبجمع عدد اصوات الولايات الانتخابية (وليس الشعبية) التي حصل عليها يتحدد فوزه أو خسارته لمقعد الرئاسة، ويتوجب على المرشح أن يحصل على 270 صوتا (على الاقل) من مجمل اصوات الكلية الانتخابية التي تبلغ 538 صوتاً (أي أزيد من النصف بصوتين) للفوز بالمقعد الرئاسي!
* ولا بد من ملاحظة مهمة هي أن الحصول على غالبية الأصوات الشعبية لا تعني الفوز في الانتخابات، كما حدث مثلا في انتخابات عام 2016 التي خسرتها مرشحة الحزب الديمقراطي (هيلاري كلنتون) رغم حصولها على أصوات شعبية أكثر بـ (3 مليون) صوت من الفائز (دونالد ترامب)، وهو أمر يسهل شرحه وليس معقدا كما يعتقد البعض، فقد يفوز المرشح أو يخسر بفارق ضئيل في ولاية أو ولايات عدد ناخبيها كبير (10 مليون مثلا)، ولكنه يخسر في ولايات أخرى عدد ناخبيها قليل فيتحقق الفوز لخصمه بالرئاسة بحصوله على عدد أكبر من أصوات الكلية الانتخابية، رغم حصوله على عدد أقل من مجمل الأصوات الشعبية !
* لمزيد من الشرح .. دعونا نفترض أن كل ولاية من ولايات أمريكا دولة قائمة بذاتها، فإن الذي يفوز فيها بالانتخابات هو مَن يحصل على غالبية أصوات الناخبين بدون اعتبار لفارق الاصوات بينه وبين خصمه أو عدد الأصوات التي حصل عليها الخصم، وهو نفسه نظام الكلية الانتخابية المعمول به في الانتخابات الامريكية حيث لا يُعطَى اعتبار لعدد الاصوات الشعبية التي يحصل عليها المرشح، وإنما هي وسيلة فقط لتحديد الفائز بأصوات الولاية في الكلية الانتخابية وهى معروفة ومحددة سلفا وتختلف من ولاية لأخرى حسب حجمها وعدد الناخبين فيها وبضعه معايير أخرى وعلى سبيل المثال تبلغ اصوات ولاية كاليفورنيا في الكلية الانتخابية (55 )، وولاية فلوريدا (29 ) وبنسلفانيا (20 ) وألاسكا (3 ) ..إلخ، والفائز بمقعد الرئاسة هو من يحصل على أكبر عدد من مجمل أصوات الكلية الانتخابية، وليس مجمل الاصوات الشعبية !
* أخيراً، لماذا هذا النظام أكثر ديمقراطية وأكثر عدلاً.. والإجابة ببساطة، ان هنالك ولايات حجمها كبير جدا وعدد سكانها كبير جداً، وهنالك ولايات صغيرة وعدد سكانها صغير، ولو تُرك الأمر للأصوات الشعبية لتحديد الفائز، سيعطِى السياسيون والاحزاب واصحاب القرار كل الاهتمام والامكانيات للولايات الكبيرة للفوز بأصواتها في الانتخابات واهمال الولايات الصغيرة، لذلك اختار الآباء المؤسسون للولايات المتحدة الامريكية النظام الفيدرالي وسيلة للحكم وحماية الحقوق السياسية والاجتماعية والخصوصية لكل الولايات صغيرها وكبيرها، وابتدعوا نظام الكلية الانتخابية ليكون لكل ولاية دورها في انتخاب الرئيس والحصول على الاهتمام المطلوب !
زهير السراج – صحيفة الجريدة