محمد محمد خير يكتب : البناء الوطني

ظهيرة كل سبت بتوقيت تورنتو أتابع بشغف برنامج (البناء الوطني) الذي يقدمه صديقنا الأستاذ لقمان أحمد الذي زاملته في التلفزيون القومي وفي إذاعة mbc التي كانت تبث إرسالها من لندن . أحرص على البرنامج لأسباب عديدة منها أنه يكرس للبناء، وذلك ما يعني العناية بالفكرة التي تجمع على قاعدتها الوطنية طيفاً سياسيًا وفكريا وثقافياً واجتماعياً يتفق حول ثوابت قابلة للتطوير ومتحركات يمكن اختزالها لهوامش تذوب داخل الفكرة الوطنية التي من المأمول الاتفاق حولها لتتحول من فكرة في الفضاء الى واقع في حيز التنفيذ.

بحكم معرفتي الطويلة للقمان ومعاشرتي له في السودان والشمال الأمريكي لا أشك بأنه كغيره من عشاق السودان يسعى ليرى بلده في مصاف البلدان المرموقة في العالم وحسب معرفتي به أنه لا ينتمي لأي حزب سياسي ولم يسبق له الانضواء لجبهة سياسية نشط حركياً من خلالها ويمكنني أن أقول إنه ينتمي سياسياً ووجدانيًا للسودان، ومن هنا أتتبع البرنامج باحثاً في أفقه عن السودان المأمول.

استضاف البرنامج شخصيات عديدة من خلفيات سياسية مختلفة، لكنني لم ألتقط خيوطاً يمكن جدلها لتصبح (ضفيرة وطنية) إلا في الحلقة الأخيرة التي كان ضمن ضيوفها الأستاذين ياسر عرمان وخالد عمر، فقد اجترحا خطاً جديراً ولمسا بحرفية ما يمكن اعتباره مداميك في هذا البناء.

أشار المهندس خالد للعقل المركزي الذي أجاز الوثيقة الدستورية دون أن يلتفت لقضايا النازحين واستحقاقات السلام وكيفية الاتفاق حول الغطاء الأمني والعسكري الذي يحافظ على السلام ويصون المكتسبات الديمقراطية ضمن تراض وطني يلف الشق العسكري والمدني وقوى السلام ويرسم الطريق للحكم الديمقراطي، وهذا ما يعني أن هذه الوثيقة يمكن تعديلها من واقع بنودها التي أشار اليها بوضوح شديد .

من ناحيته كان ياسر عرمان الأكثر إشراقاً لأنه ظل الأمضى معاناة والأخصب تجربة منذ الثمانينات، لذا فإفاداته تكتسب طابع التجربة والخبرة والصفاء، لأنها صادرة عن غور عميق وليس من أمنيات .

أشار ياسر للتغيير الذي جرى في البلاد وما ينبغي التأسيس عليه وصولاً للتصور السليم بإشارته لأركان التغيير من واقع أن الثورة قام بها الشعب، وأن التغيير أنجزته القوات المسلحة والدعم السريع.

بهذه الإفادة أعاد ياسر المشهد برمته لميزان العقلانية التي لو تم التعامل معها منذ البداية وانعقد الاتفاق السياسي على أساسها لتجنبت الفترة الانتقالية العديد من محطات الخلافات التي تأسست على إنكار هذه الحقيقة وأسرفت في العداء للجيش وللدعم السريع، فكان الحصاد مشهداً غائماً ومجزرة معيشية ووضعاً اقتصادياً ينذر بالكارثة.

ما يدهشني حقاً أنه كيف ارتضت قوى الحرية والتغيير التفاوض مع الجيش والدعم السريع وهي تصنفهما كعدوين لها الأمر الذي جعلها تكون الحكومة وتعارضها ومن تحتها تتسرب النار . أتقاتل الحجاج في سلطانه بيد تقر بأنها مولاته?

وأقر ياسر بأن مشكلة دارفور لا يمكن حلها بتغييب الدعم السريع وهذا رأي كتبته منذ ابريل عام2019 بحكم معرفتي التفصيلية في هذا الشأن، وهو أمر تعاملت معه الحركات الدارفورية التي خاضت معارك مسلحة ضد الدعم السريع وتصالحت بكبرياء الرجال والمحاربين مع الدعم السريع من واقع رغبتها في السلام.

لقد كانت هذه الحلقة التي سعدت فيها بياسر وخالد حلقة تأسيسية للبناء لأنها التقطت الحقائق وأنهضت على أساسها رؤية جديرة بالحفاوة.

محمد محمد خير – صحيفة الصيحة

Exit mobile version