١-
على (كباية شاي) بالزميلة صحيفة “التيار”، تحدّث وزير الخارجية المُكَلّف الأستاذ عمر قمر الدين، حديثاً مطولاً لعدد محدود من الحضور.
بعض ما قاله قمر الدين، أثار جدلاً واسعاً في وسائل التواصل الاجتماعي.
سنترك حديثه – غير المنطقي – عن حصول السودان على مليون دولار يومياً من عبور الطائرات الإسرائيلية!
ولن نُعلِّق على تشبيهه – غير المُوفّق – في وصف عملية التطبيع بمقدمات الزواج (الخطبة وفتح الخشم) وما يتبع ذلك من نهايات سريرية!
-٢-
دعونا نُركِّز على ادّعائه العريض وزعمه الواسع: بأنّ العقوبات الأمريكية على السودان كُتبت بأيديهم السمراء!
نعم، غريبٌ هذا الرجل، يفتخر بما يجدر الاستحياء منه!!!
العُقُوبات الأمريكية ألحقت الضرر والأذى بالدولة السودانية وشعبها، أكثر من النظام السابق ورُمُوزه!
العُقُوبات تَسَبّبت في انهيار الاقتصاد، وتدهور كل القطاعات الحيوية التي تحتاج اليوم مليارات الدولارات حتى تعود إلى سيرتها الأولى.
اليوم وبعد سقوط نظام الإسلاميين، لم يستطع قمر الدين ومن معه محو ما كتبه بيده – حسب ادّعائه – برفع العُقُوبات عن كَاهِلَ الشعب، إلا بتكلفة مادية ومعنوية وأدبية باهظة.
ومع ذلك الرفع الباهظ الثمن، يحتاج السودان إضافة للمليارات الدولارية، حقباً زمنية مُتطاولة لإزالة آثارها العميقة من جسد الاقتصاد وُروح الشَّعب.
-٣-
ما قاله قمر الدين – بافتخارٍ غير حَصيفٍ – هو نموذجٌ لطبيعة العقلية المُعارضة التي لا تُفرِّق بين كيان الدولة وشخوص حُكّامها!
حتى بافتراض جواز استخدام قوة الخارج في الضغط على الخصوم السياسيين لإنهاء دورة حكمهم.
كان بالإمكان في سياق مُواجهة سُلطة الإنقاذ أن يسهم قمر الدين ومن معه في تصميم عُقُوبات ذكية.
عُقُوبات تستهدف قيادات ورموز السُّلطة، دون إلحاق ضرر بمصالح الشعب.
-٤-
للأسف العقلية الانتهازية التي كانت تُعارض بذلك السُّفُور المُفضي للخسائر الفادحة التي تُصيب الأبرياء، الآن تُدير الدولة بذات الطريقة الهوجاء، غير المُكترثة لمصالح الأبرياء والمُستهترة بأوجاعهم!
التفكير والعمل على الإضرار بالخُصُوم السِّياسيين، بغض النظر عن الخسائر المُترتِّبة على المُواطنين ، هو أشبه بالقصف العشوائي على المناطق المدنية!
٥-
خُذ مثالاً:
الحكومة في حالة عداءٍ مع دكتور مأمون حمّيدة، وتُريد إلحاق الضرر به، لا يعنيها كثيراً ضحايا ذلك الصراع من طلاب جامعته ومرضى مستشفى الأكاديمي والزيتونة!
الآن أكثر من خمس دفع طلابية بكلية الأسنان بجامعة العلوم الطبية والتكنلوجيا، سيُحرمون من إكمال دراستهم والمستشفى الأكاديمي متوقف عن العمل، بسبب الرغبة في فَشّ تلك الغبينة السِّياسيَّة!
خُذ مثالاً ثانياً:
رغبة الحكومة في مُعاقبة دكتور عبد الحليم المتعافي، ترتّبت عليها خسائر فادحة لستة آلاف مزارع بالنيل الأبيض، مُضافاً إلى ذلك، تهديد زراعة القمح في الموسم الشتوي، بمُصادرة التقاوى المُنتجة وطحنها بالقوة الجبرية(أكل التيراب) ،نكايةً في المتعافي!
خُذ مثالاً ثالثاً:
وزارة التربية بولاية الخرطوم، أغلقت عددا من المدارس الخاصة ، عقاباً لإداراتها، دُون مُراعاة لمستقبل الطلاب والتلاميذ ودُون ترتيب أوضاعهم!
صور رجال الشرطة وهم يغلقون بكل غلظةٍ مدارس الصغار بالطبل والجنازير، وجدت إستهجانا واسعاً.
بل في إحدى المدارس تَمّ ذلك الإغلاق قبل خُرُوج المُعلِّمين والطلاب والعُمّال من حَرَمَ المدرسة(الجو جوا، والبرا برا)!
مَن يفعلون كل ذلك بهذا المُستوى من الغَباء والقسوة، هم تلاميذ نُجباء في مدرسة الحاجة (البصيرة أم حمد)!
-٦-
نعم، لا بُدّ من وجود قدرٍ من الذكاء والحكمة والإحساس بالآخرين أثناء مُعاقبة الأفراد والجهات.
التكنولوجيا الحديثة تُبدِع في تصميم الأسلحة الذكية، التي تُصيب الهدفَ في ذاته دُون إلحاقِ الضَّرر بغير المراد.
كذلك الأدوية الذكيَّة تُستخدم في علاج الأمراض الخطيرة، وتُعدُّ بطريقة تُمكِّنها من تجنُّبِ الإضرار بالخلايا السليمة، في رحلة استهداف الخلايا المريضة.
وكذلك العُقُوبات الذكيَّة في السِّياسَة الدوليَّة، الهدفُ منها حصر آثار العُقُوبات في نطاقٍ مُحدَّدٍ دُون المَسَاس بِمَن هُم خَارج دائرة العُقُوبة.
أخيـــراً –
عندما تُؤدِّي المُقدِّمات إلى نتائج مُناقضة للأهداف، فإنَّ الأمر يحتاج إلى إعادة فحص الفكرة في الأساس، ومُراجعة أدوات التنفيذ.
عندما تكون الآثار الجانبيّة للدواء أكثر خُطُورةً من المرض، فلا بُدَّ من توقيف خُطة العلاج، وإضاءة الإشارة الحمراء لتغيير المسار وطريقة التطبيب.
ضياء الدين بلال