هل للدولار أي أمان في السودان؟

فزورة القطاع الخدمي
* ترى ماذا سيقول من شككوا في صحة الخبر الذي انفردت به (اليوم التالي)، عن التسعيرة الجديدة للوقود، بعد أن أعلن المهندس خيري عبد الرحمن، وزير الطاقة المكلف، الأسعار ذاتها التي نشرتها الصحيفة في الأيام السابقة؟
* كان من المؤسف أن يكون على رأس هؤلاء من فتحت (اليوم التالي) أبوابها له، فعمل فيها عُدَّة سنواتٍ، قبل أن يغادرها غير مأسوفٍ عليه، ويستفرغ صديده الآسن المُنتن في الإناء الذي طعِم فيه.
* ابتداءً من اليوم سيبلغ سعر جالون البنزين التجاري (540) جنيهاً، بينما سَيصِل سِعر جالون الجازولين إلى (480) جنيهاً، وهي ذات الأرقام التي نشرتها (اليوم التالي) أمس، مثلما بثتها قبل أكثر من أسبوعين بأسعار أقل، ارتفعت لاحقاً، لأن الشركات المستوردة للوقود اشترت الدولار من السوق الموازية بمائتين وستين جنيهاً.
* في الأيام الماضية تراجعت أسعار الدولار إلى حدود مائتين وثلاثين جنيهاً، لكن الشركات اضطرت إلى حساب السعر المُحرَّر بالتكلفة ذاتها التي اشترت بها الدولار.
* لم يكن الوزير دقيقاً في حديثه عن العوامل التي ستؤثر على تسعيرةٍ قال إنها ستخضع إلى المراجعة كل أسبوع، إذ حصرها في السعر العالمي للوقود، مع تمام علمه بأن العامل الأول، والأوفر تأثيراً على التسعيرة سيتعلق بسعر صرف العملات الأجنبية في السوق الموازية.
* ستتراجع أسعار الوقود الحُر إذا تراجعت أسعار العُملات الأجنبية في السوق المُوازية، لأن سعر البورصات العالمية للوقود شبه مستقر، ولا تحدث فيه تقلبات مؤثرة، تحرِّك سعر اللتر صعوداً أو هبوطاً في السودان.
* ولكن.. هل للدولار أي أمان في السودان؟
* المتوقع أن ترتفع أسعاره في الفترة المقبلة تبعاً لزيادة الطلب عليه من الشركات المستوردة للوقود، والمؤكد أن التكاليف التشغيلية لتلك الشركات سترتفع تبعاً للمستجدات التي دخلت على سعر الجازولين تحديداً، وإذا حدث ذلك، (وحدوثه شبه مؤكد) سيواصل سعر الوقود الحُر صعوده، ولن يطرأ عليه أي انخفاض.
* من جانبٍ آخر فإننا نستغرب إصرار وزارة الطاقة على التدخل لتحديد تسعيرة وقودٍ لم تستورده، ولم تدفع فيه أي سنت، مثلما لم نتوقع منها أن تُصِر على اعتماد سعرين للجازولين والبنزين، بمُسمى الحُر والتجاري، بادعاء أن الثاني سيباع إلى القطاع الخدمي.
* لم يوضح الوزير ماذا يعني بحديثه عن القطاع الخدمي، كما إن الإبقاء على السعرين سيهدم فكرة رفع الدعم من أساسها، لأنه سيعني استمرار تهريب الوقود إلى دول الجوار، وتواصل تسريب المدعوم إلى السوق السوداء.
* بموجب القرار الجديد سترتفع أسعار الجازولين بنسبة (460‎%‎)، وأسعار البنزين بنسبة (428‎%‎)، وإذا قصد الوزير بحديثه عن القطاع الخدمي مركبات النقل العام، سيُصبِح من الأوفر والأكثر ربحاً لسائقي تلك المركبات أن يبيعوا الوقود المدعوم في السوق الموازية، لأن سعره يفوق سعر الحُر بمائة في المائة.
* أمس أمرت الوزارة بعض محطات الخدمة بتعديل تسعيرتها لتصبح بالسعر الحُر، بينما عدَّلت تسعيرة محطاتٍ تتبع لشركات أخرى لتُحتسب بالسعر التجاري، ولم تتكرم (الطاقة) بتوضيح هوية الجهات المعنية بوصف (القطاع الخدمي)، لتترك أصحاب الطلمبات يتخبطون في حيرتهم.
* كما ذكر الزميل الصديق ضياء الدين بلال فإن قرارات رفعِ الدعم تُشبه العمليات الجراحية، لا يمكن إجراؤها بنجاحٍ عبر أيادٍ مرتجفةٍ، وعيونٍ وجِلة حائرة، وهي تُتخذ بحكمةٍ وتروٍّ؛ وتُنفذ بعزمٍ وحسمٍ ومقدرةٍ على الدفاع عنها بمنطقٍ قويٍّ وشرحٍ مقنع.
* طالما أن الحكومة عزمت على رفع الدعم عن الوقود فعليها أن تنفذ قرارها من دون (لولوة) ولا تردد، وأن تتحسب لتبعاته، وتهيئ نفسها لمساعدة المتأثرين به من الطبقات المسحوقة، لأن آثار القرار ستظهر على الفور، بارتفاعٍ مهول في أسعار كل السلع.. ابتداءً من اليوم.
* كان الله في عون فقراء بلادي، وما أكثرهم، وما أشقاهم.

د. مزمل أبو القاسم

Exit mobile version