* ذكرت في أكثر من مناسبة أنني لم أنل شرف الانتماء لأي حركة من حركات الكفاح المسلح، وذلك لا لشيء غير أنني وجدت نفسي على مسافة واحدة منها جميعها، فآثرت البقاء في الوسط حيث الخط الثوري العام والذي تلتقي فيه جميع قوى الخير الوطني بشقيها المسلح و المدني.
*وفي مناسبة أخرى أكدت بأنني لن أقبل بأي منصب حكومي خلال الفترة الانتقالية، لذلك لا غرض شخصي لدي فيما أكتبه هنا او هناك غير الحرص على الوطن وانسانه.
* قبل أكثر من عقد عندما سألني الصحفي الكبير (صلاح شعيب) عن تصوري للقضية السودانية في دارفور، قلت: لأزمة دارفور ثلاثة أبعاد: سياسي، انساني، ووطني، وهي في الأصل المرآة التي عكست الخلل في تركيبتنا السياسية والانسانية، وغياب التعاطف (المفترض) من قبل المواطنين السودانيين تجاه اخوتهم من سكان المعسكرات.
* الجانب الانساني هو مدخل المجتمع الدولي – لذا أصبحت أزمة دارفور قضية عالمية بين يوم وليلة، قضية بتلك الأبعاد لا يمكن التعاطي معها بحلول موغلة في المحلية، وهنالك خطوات لابد من القيام بها من كل الاطراف تمهيداً للسلام:
* أولاً، على الحكومة ان تطلق سراح ابناء دارفور الذين زُج بهم في السجون منذ عام 2000 بدعاوى المحاولات الانقلابية او الانتماء الى حركات دارفور او تحت مسميات أخرى، ثانياً، إعادة المفصولين من الخدمة العسكرية والمدنية الي وظائفهم. وثالثاً، أن تُوحّد الحركات الرؤية المطلبية لشعب دارفور بصرف النظر عن القبائل والانتماءات الضيقة.
* عندما تتوفر تلك الاجواء يمكن الجلوس للتفاوض حول المرتكزات الاساسية للسلام وهي الوقف الدائم لإطلاق النار، إعادة بناء القرى المحروقة، إعادة الاراضي المنزوعة الى اصحابها، تعويض المتضررين، مشاركة ابناء دارفور في الحكومة المركزية بقدر كثافتهم السكانية وعطائهم الوطني، وإعمار دارفور بمبادرة من المجتمع الدولي مع تخصيص نسبة مقدرة من عائدات البترول لصندوق الاعمار.
* الاخ الدكتور زهير السراج لم ألتق به غير مرة واحدة بأحد الاندية بضاحية العمارات بالخرطوم، تصافحنا دون ان أعرّفه بنفسي (لعدم وجود مناسبة لذلك) ، ثم ذهب الاخ زهير الى دارفور برفقة بعض زملائه إبان ذروة الأزمة الإنسانية، وتزامنت زيارتهم مع تواجدي هناك، فأخبرني الأخ زهير هجو( أحد الاطباء بمستشفى نيالا) بأن الوفد يود اللقاء ببعض أبناء الإقليم ( دون تحديد الأسماء) لكنني اعتذرت بسبب مهمتي الأممية التي لا تسمح لي بمثل تلك اللقاءات الوطنية، ولا بد هنا من القول إنني إكن الكثير من الامتنان والتقدير لشخص الدكتور زهير السراج على نضاله المدني من أجل دولة الحرية و المواطنة خلال العقود الثلاثة الماضية، حتى اصبح زبوناً لسجون النظام القمعي البائد.
* منذ انطلاق مفاوضات السلام السودانية بين حركات الكفاح المسلح والحكومة الانتقالية في جوبا وامتناع حركتين، وجه الاخ زهير الكثير من النقد “غير المشفق” للعملية بأكملها، وذلك من حقه طالما هو مواطن سوداني وصاحب رأي، لكن للأسف تطور الأمر الى سقف العداء السافر تجاه بعض مكونات حركات الكفاح المسلح.
* أتفهم الانحياز الايديولوجي من قبل السيد زهير للحركات الرافضة للمفاوضات، كما احترم موقف تلك الحركات الباسلة، لكن ليس من الإنصاف ان يقوم الاخ السراج بتجريد الحركات الثورية المنخرطة في المفاوضات من الثقل الجماهيري والعسكري (بضربة الكيبورد) من داخل أحد المكاتب المكيفة بمدينة الخرطوم أو من كندا.
* الذين ظهروا بأربطة العنق والبدلات الأنيقة في مفاوضات جوبا والخرطوم هم أصحاب الكاكي والكدمول الذين لقنوا قوات المخلوع الانكشارية دروساً في البسالة في صحاري دارفور ومرتفعات جبال النوبة وأدغال النيل الأزرق، وهم الذين اقتحموا خرطوم المخلوع في نهار الثامن من مايو عام 2008 بملحمة الذراع الطويل والتي ليس لها مثيل، ولولا أمر الله لكان جيش حركة العدل والمساواة أراح الشعب السوداني من الكابوس الذي ظل جاثماً على صدره، لكن مشيئة الله حالت دون ذلك.
* كأصحاب رأي من الأفضل ان نفرح بأي بصيص أمل في السلام من شأنه ان يحقن دماء السودانيين، وبذلك على الوطن أن يبتسم ويفرح لتوقيع أي اتفاق للسلام، لا أن يبكي!
د. حامد برقو عبدالرحمن
كاتب وأكاديمي
تعقيب:
أشكر الدكتور حامد، وأحب فقط أن أوضح انه لا يربطني أي انتماء أيديولوجي او غيره بالجهات التي ذكرها، وإنما فقط موقف مشترك، مع تحياتي.
الجريدة
زهير السراج