الثورة الإسفيرية المؤيدة والمناهضة للتطبيع التي انتظمت الوسائط عقب قرار رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، والذي جاء مشروطاً بقرار التطبيع مع الكيان الصهيوني كما وضح، لم تنته حتى الآن رغم مرور أيام على القرار الجرئ، فما بين مؤيد للتطبيع ورافض له، تبقى هنالك حقيقة واحدة فقط ليس لها ثانٍ، وهي أن الأمر قُضي، ولم يعد سوى التعامل مع هذا القرار كأمر واقع، والإنصراف للتجهيز لما هو قادم.
الشعب عانى الأمرين مافي ذلك شك، سواء أكانت معاناة حقيقية نتيجة فشل سياسات أو معاناة مفتعلة بأيدي داخلية وخارجية، وفي النهاية تحمل المعاناة إسم واحد فقط، ولم يعد في مقدور الشعب الذي صبر على سياسات الحكومات المتعاقبة سوى منح الفرصة الأخيرة للحكومة لتعيد له بعضاً من حقوقه الضائعة لعشرات السنين.
الحكومة الإنتقالية في وضع لا تحسد عليه، فبعد إن إنتهى موكب 21 اكتوبر على خير، تبقى شهر ونصف الشهر فقط على ذكرى ثورة ديسمبر المجيدة والتي لا نستبعد ان يكون الإحتفاء بها مختلفاً تماماً هذه المرة وعكس ما كان الجميع يتوقع، وعلى الحكومة أن تضع في حسبانها عودة قوية للمواكب، مواكب جادة وحاسمة غرضها إسقاط الحكومة هذه المرة وليس تصحيح المسار حال لم تلتزم الحكومة بإصحاح مسارها قدر الإمكان خلال ما تبقى من زمن، لذا لم يعد أمامها سوى السعي بجدية لإقناع الأصوات الرافضة لمبدأ التطبيع، وتهيئة البقية ممن تأثروا عاطفياً بالأصوات العالية الرافضة وفي نفس الوقت ليس لديهم مشكلة مع المبدأ.
الطريق إلى تل أبيب لن يكون مفروشاً بالورود كما يظن الكثيرون، وايضاً الطريق إلى الخرطوم سيكون وعراً جداً ان استمر الوضع عما هو عليه من تردي في أبسط مقومات الحياة من إنعدام دواء وكهرباء ومياه ورغيف خبز ومواد بترولية وغاز وغلاء طاحن وفوضى في الأسعار، ولابد ان تضع الحكومة في اعتبارها ان قرار التطبيع جاء صادماً للكثير من الرافضين، ولا زال الحال كماهو حتى هذه اللحظة لم يتحقق شئ من شعارات الثورة التاريخية بعد أن أضحت رؤية القتلة يساقون إلى المشانق أو إلى لاهاي مجرد حلم صعيب المنال، إذ يعيش السواد الأعظم من السودانيين أزمات مستمرة في الحصول على لقمة العيش، وفي أبسط حقوقه الانسانية بينما يعيش من سلبه هذه الحقوق في نعيم وترف خارج وداخل السودان، حتى من هم داخل السجون منهم يمارسون حياتهم بشكل طبيعي، لم تُمنع عنهم الوجبات الفاخرة والهواتف الذكية ولا الزيارات اليومية، يعيشون في رفاهية يفتقدها المواطن الحر في منزله، أما من هرب منهم بأموال الشعب لم تتم ملاحقته، أو إسترداد الأموال التي يمكن ان تسهم في حلحلة جميع مشاكل البلاد ليعيش المواطن في النعيم الذي يستحقه.
ثروات السودان من ذهب ومعادن وبترول وأراضي زراعية وثروات حيوانية، لا زالت مجهولة الارقام والإحصائيات حتى الآن لدى الكثيرين، وقوانين الاستثمار لم يتم تعديلها منذ سقوط النظام السابق، وجميعنا يعي حجم الأضرار التي لحقت بهذا القطاع جراء هذا القانون المجحف، الأمر الذي يرسم العشرات من علامات الإستفهام في أذهان المواطن البسيط الرافض للتطبيع او المتوجس من فكرة دخول المستثمرين الأجانب بشكل عام والمستثمر الإسرائيلي بشكل خاص.
لذا نتوقع خطوات سريعة وحاسمة وشفافة من حكومة حمدوك تجاه هذه القضية حتى لا تقع في المحظور.
الجريدة
هنادي الصديق