يكشف الرئيس العراقي السابق صدام حسين، الذي أعدم نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2006، في وثائق سرية أفرج عنها الأرشيف القومي الأميركي الأربعاء الماضي، خفايا كثيرة عن حروبه وأيامه الأخيرة في الحكم وحتى اعتقاله وظروفه في السجن. والوثائق التي تواصل «الشرق الأوسط» نشرها اليوم هي عبارة عن محاضر 20 استجوابا رسميا وخمس محادثات عادية أجراها جورج بيرو، وهو محقق من مكتب المباحث الفيدرالي الأميركي «إف بي آي»، للرئيس الأسبق ما بين 7 فبراير (شباط) و28 يونيو (حزيران) 2004. ويقول صدام في أجوبته عن أسئلة المحقق إنه «عندما قررت الولايات المتحدة مهاجمة العراق جعل ذلك ضم الكويت هو الحل الوحيد. إذ لم يكن هناك من حل سياسي». وكرر صدام ما قاله في جلسة تحقيق سابقة قال فيها إن الجنود العراقيين ما كانوا ليحاربوا بكفاءة أو ليهتموا بالكويت ما لم يتم ضمها لتكون جزءا من العراق، وشدد مرة أخرى على أن ما قامت به الولايات المتحدة هو «ما أجبرنا على ذلك». وأنكر صدام معرفته بالجرائم التي ارتكبها الجيش العراقي في الكويت خلال الغزو، التي كان من بينها عقوبات كالإعدام بالرصاص لمواطنين كويتيين كانوا يصلون على أسطح منازلهم، وآخرين رفضوا تعليق صورة صدام، ومن علقوا صور الأسرة الحاكمة السابقة في الكويت، أو من كتبوا شعارات مناوئة للعراق. لكنه اعترف بوقوع حادثتين، وربما ثلاث، قام فيهما جنود عراقيون بإعدامات في الكويت. كما يقول صدام إنه هو الذي وضع خطة الغزو العراقي للكويت، وإن إتمام غزو الكويت جاء خلال ساعتين ونصف الساعة كما كان مقدرا سلفا، وقال صدام إنه كان يجب ألا يستغرق الأمر أكثر من ساعة. ويقر صدام بأن وزير الخارجية طارق عزيز التقى وزير الخارجية (الأميركي) جيمس بيكر في جنيف بسويسرا في يناير (كانون الثاني) 1991، وأنه من وجهة نظر القيادة العراقية فإن هدف هذا اللقاء كان استغلال أي فرصة للسلام فيما يتعلق بالموقف مع الكويت. وعندما بدت الفرصة سانحة لمناقشة ذلك الأمر مع مندوب أميركا، قرر العراق أن يستغلها، وكانت القيادة العراقية تعتقد أن أي نتائج سيسفر عنها هذا اللقاء سوف «يكون لها وزنها» في المجتمع الدولي. ووفقا لصدام، فإن بيكر لم يقدم أي حلول للمسألة الكويتية، بل إنه قد أملى على عزيز خطوات محددة ترغب الولايات المتحدة أن يقوم بها العراق أولا. وأضاف بيكر: «وإلا، سوف نعيدكم إلى عصر ما قبل الصناعة». وقد أخبر عزيز بيكر بأن تنفيذ تلك الخطوات سوف يكون مستحيلا».
* صدام: ما قامت به أميركا أجبرنا على ضم الكويت.. ولولا ضمها لما حارب جنودنا بكفاءة
ـ تساءل عما إذا كان إشعال آبار النفط الكويتية «أخطر من تشرنوبل»
ـ محضر جلسة الاستجواب الـ10
ـ 27 فبراير (شباط) 2004
* قال صدام حسين حول رد فعل الحكومة العراقية تجاه قرار الأمم المتحدة رقم 662 إنه «لم يغير شيئا». وأضاف: «عندما قررت الولايات المتحدة مهاجمة العراق جعل ذلك العمل ضم الكويت الحل الوحيد. إذ لم يكن هناك من حل سياسي». وكرر صدام ما قاله في جلسة تحقيق سابقة قال فيها إن الجنود العراقيين ما كانوا ليحاربوا بكفاءة أو ليهتموا بالكويت ما لم يتم ضمها لتكون جزءا من العراق، وشدد مرة أخرى على أن ما قامت به الولايات المتحدة هو «ما أجبرنا على ذلك». وعندما أوضح المحقق لصدام أن القرار 662 صدر في أغسطس (آب) 1990 قبل قيام القوات الأميركية أو قوات التحالف بالعمليات العسكرية قال صدام إن القوات المعادية للعراق كان موجودة بالفعل في السعودية في ذلك الوقت وقد تزامن ذلك مع القرارات والبيانات التي أصدرتها الأمم المتحدة وهو ما كان بمثابة إشارة على الهجوم الأميركي ضد العراق.
وأوضح صدام أن الأمم المتحدة وقفت موقف المتفرج طوال ثماني سنوات هي عمر الحرب العراقية الإيرانية دون أن أدنى اهتمام. ولدى اقتراب الحرب من نهايتها، بانتصار العراق على القوات الإيرانية قدمت الأمم المتحدة اقتراحا وقبلت إيران اتفاقية وقف إطلاق النار. ويرى صدام حسين أن موقف الأمم المتحدة «لم يكن مشرّفا» خلال الحرب العراقية الإيرانية. فخلال الحرب بين البلدين رغبت بعض الدول الكبرى في رؤية «استنزاف القوى من الدولتين» وأضاف أن الأمم المتحدة «تتدخل في شؤون الجميع». ويعتقد صدام أن عضوية العراق في الأمم المتحدة كان يجب أن تحول دون غزوه عام 1991 والاحتلال القائم الآن.
وعندما سُئل صدام عن الجهود التي بُذلت للحيلولة دون النزاع مع الكويت أو لتحديد شروط الانسحاب بعد الغزو من قِبل الأمم المتحدة أو دول منفردة، نفى صدور مبادرات عن أي دولة. وقال إن الاتحاد السوفياتي اقترح خطة للانسحاب قبِلها العراق. بيد أن الأمم المتحدة لم تقبل ذلك المقترح. ويرى صدام أن مصر «لم تقدم شيئا».
وقدم العراق مبادرة تتعلق بخطة انسحاب من الكويت، فقد اقترح العراق في 12 أغسطس (آب) 1990 حلا «للجميع في المنطقة» تضمن ذلك تنفيذ قرارات الأمم المتحدة السابقة بشأن الأراضي التي احتلتها إسرائيل. وتساءل صدام عن السبب وراء عدم مهاجمة الأمم المتحدة إسرائيل لعدم تنفيذ تلك القرارات. وأوضح صدام أن الأمم المتحدة تغض الطرف عن أخطاء إسرائيل بيد أنها تبدي انزعاجا دائما بشأن أخطاء العراق.
وأنكر صدام معرفته بالجرائم التي ارتكبها الجيش العراقي في الكويت خلال الغزو والتي كان من بينها عقوبات كالإعدام بالرصاص لمواطنين كويتيين كانوا يصلّون على أسطح منازلهم وآخرين رفضوا تعليق صورة صدام ومن علّقوا صور الأسرة الحاكمة السابقة في الكويت أو من كتبوا شعارات مناوئة للعراق. وقال صدام: «تلك هي المرة الأولى التي أسمع فيها تلك الأقاويل»، وأضاف أنه يعتقد أن من بين العقوبات المذكورة عقوبتين لا يُعتقد أنهما تُعتبران كجرائم: الأولى أن الحكومة العراقية لم تجبر العراقيين على تعليق صور صدام ومن ثم فلا يمكن للحكومة أن تجبر الكويتيين على ذلك. وفي العراق يقوم المواطنون بتعليق صور صدام طواعية في بيوتهم. ثانيا لم يُمنع العراقيون أو الكويتيون من تأدية الصلاة في أي مكان ولا على أسطح منازلهم. وبحسب ما قاله صدام فإن الجرائم الأخرى التي تم ذكرها «تعود إلي ضمير ناقلها» وإن هذا الشخص «كاذب». اعترف صدام بوقوع حادثتين وربما ثلاث قام فيها جنود عراقيون بإعدامات في الكويت. كانت إحداهما لجندي عراقي ارتكب جريمة السرقة خلال عملية غزو الكويت والثانية لإعدام مقدم عراقي تم تعليق جثته في مكان عام لمدة 48 ساعة لاعتدائه على سيدة كويتية، وقد تُركت جثة الرجل في مكان عام لكي يراها كل الضباط العراقيين والجنود للتشديد على القوانين، وحادثة ربما لم تكن قد وقعت لكن صدام لا يتذكر تفاصيلها.
وأنكر صدام معرفته بعدد القتلى الكويتيين سواء أكانوا مدنيين أو عسكريين خلال العمليات القتالية أو خلال المذابح المزعومة التي ذُكرت من قبل. وقال صدام: «كانت تلك حربا»، وأضاف أن العراق واحدة من دول العالم الثالث التي وقّعت على معاهدة جنيف، والولايات المتحدة دولة متقدمة ويفترض بها أن لا ترتكب نفس الأخطاء بشأن عدد القتلى من المدنيين العراقيين، وكذلك الانتهاكات التي مورست بحق العراقيين أو تعذيب السجناء من قِبل القوات الأميركية.
وحول إشعال آبار النفط في الكويت من قِبل القوات العراقية المنسحبة والكارثة البيئية التي نتجت عن ذلك التي تُعتبر إحدى أكبر الكوارث البيئية في التاريخ، تساءل صدام: «هل هي أخطر من تشرنوبل؟»، وطلب معرفة عدد المدنيين الذين ماتوا في الكويت بسبب الدخان الذي أحدثته تلك النيران.
أنكر صدام قيام القوات العراقية بإشعال النيران في آبار النفط واعترف بقيام القوات العراقية بإشعال النفط في الخنادق خلال عملية الانسحاب، ليحول دون استهداف طائرات التحالف القوات العراقية، ومنع مقتل أعداد إضافية من الجنود. واعترف صدام بأنه أحيط علما بأن بعض آبار النفط قد أُضرمت فيها النيران. وقال إنه حتى لو عُرضت عليه صور أو أشرطة فيديو لتلك الأحداث فلن يصدق ارتكاب القوات العراقية لها. وذكر أن تلك الأشكال من الإعلام يسهل التلاعب بها وتزييفها. وأعرب صدام عن اعتقاده أن إشعال الجنود النفط لمنع استهداف الطائرات لهم ليس جريمة. وإذا ما حدث ذلك فهو عمل اليائس الذي لا يملك سلاحا يمكنه به الدفاع عن نفسه. وعندما سأله المحقق لو أنه قدم إليه دليل يظهر أن الآبار المائة والخمسون التي أحرقت في الكويت كانت عملا تخريبيا قامت به القوات العراقية ولم يكن عملا دفاعيا. قال صدام إنه كان سيقوم باتخاذ قرار مناسب في ذلك الوقت.
وبشأن القضية التي تمت مناقشتها من قبل والمتعلقة بإعدام الجنود العراقيين في الكويت قال صدام إن المعلومات التي قُدمت له بشأن تلك الحوادث قد تكون قُدمت له بصورة شفهية أو مكتوبة، وقد أُجريت محاكمات قبل تنفيذ حكم الإعدام. ويرى صدام أنه دون تنفيذ تلك العقوبات المغلظة والفورية لكان هناك المزيد من الجرائم وربما المئات.
وأوضح صدام أن علي حسن المجيد كان أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة خلال احتلال الكويت، وكان دور المجيد خلال فترة الاحتلال تنظيم كل شيء في الكويت. وقد اتُّخذ قرار منح المجيد تلك الصلاحية خلال اجتماع مجلس قيادة الثورة، وقد كان المجيد أرفع مسؤول عراقي في الكويت.
وحول المسؤولين العراقيين الآخرين الذين تولوا مهام في العراق قال صدام: «كان هناك العديد منهم بدءا بشرطي المرور إلى مسؤولين حكوميين كبار». لكنه لا يملك معلومات إضافية حول المسؤولين الآخرين ذوي المسؤوليات في الكويت ولم يقدم أسماء أخرى لأولئك المسؤولين العراقيين. وأضاف صدام أن الحكومة العراقية حاولت تقديم كل الخدمات للمواطنين الكويتيين خصوصا الأساسية منها كالكهرباء.
وعندما سُئل عن المقاومة الكويتية التي وقعت خلال الغزو وجهود جهاز الاستخبارات العراقي لوقفها قال صدام: «ليست لدي إجابة على ذلك بتلك التفاصيل»، وعندما سُئل مرة ثانية رد بأنه ليس بالشخص الذي يخون أصدقاءه.
وعندما سُئل صدام كرئيس سابق للعراق عن السياسة العراقية بشأن معاملة أسرى الحرب، رد صدام: «إنني لست الرئيس السابق للعراق، أنا ما زلت رئيس العراق»، وأضاف أنه يحترم رغبة الشعب العراقي (دعمهم له كرئيس). وأكمل حديثه قائلا إن العراق يحترم معاهدة جنيف وإنه طلب من الدول الأخرى القيام بالمثل، وذكر صدام ذلك في خطبه حيث طلب من الجنود احترام معاهدة جنيف والالتزام بالمبادئ الدينية».
وأنكر صدام إصداره تعليمات بإساءة معاملة وانتهاك وتعذيب أسرى الحرب. قائلا إن تلك المزاعم قد تؤثر على سمعته أمام شعبه ومن ثم فإنها غير مقبولة. وأضاف: «قد يقول آخرون إن صدام أصدر تلك التعليمات لكي يبرّئوا ساحة أنفسهم من المسؤولية. وإذا ما قالوا أشياء كهذه فأنا أتحمل المسؤولية عنها كقائد وأعترف بتلك الاتهامات ما دام ذلك الاعتراف لن يشينهم. وكرر القول بأنه ما كان ليعطي تلك الأوامر بسبب التعاليم الدينية. وقال صدام مستشهدا بحديث: «هناك بئر في الجنة إذا أطعم الإنسان يتيما أو مسجونا فسوف يشرب من هذه البئر». وقال صدام إن الدليل على اعتقاداته يكمن في خطبه. وقدم كل تأكيداته على الرغم من أعماله السابقة وليس الكلمات هي ما يهم، وأشار إلى أن خطاباته كرئيس هامة.
وعن المعلومات الموثقة التي أفادت بأن العراق أزاح القيادة الكويتية من بلدها بموافقة الكويتيين في حين رحب الكويتيون بعودتهم، عبّر صدام حسين عن رأيه في أن القيادة التي تقبل باحتلال أجنبي (الولايات المتحدة) لبلادها يمكن طردها بالقوة. وبحسب ما ذكره صدام فإن القيادة الكويتية «لم تكن من الشعب». بل على العكس من جاء بهم في الأصل هم البريطانيون. وقال إنه كان على علم بمشاعر الكويتيين قبل الغزو وبعد الاحتلال من قِبل القوات العراقية. وإذا ما قبل المواطنون الكويتيون القيادة السابقة بعد الاحتلال العراقي، فإنه على حسب قوله يحترم رغبتهم.
وكرر صدام اعتقاده الذي عبر عنه في الجلسة السابقة بأن أي «متآمر ضد أخ يجب أن يُطرد» (يقصد الكويت). وحول الأعراف العربية بعدم استخدام بعض الدول القوة ضد بعض، قال صدام إنه يتفق مع هذا القول وقد أكد عليه في خطبة مطولة قبل غزو الكويت. بيد أن الدول العربية ومن بينها الكويت رفضت الانصياع لهذا المبدأ. وبالعودة إلى مسألة أسرى الحرب أنكر صدام مرة أخرى معرفته بالتعذيب أو الانتهاكات التي أثبتتها وثائق الفحص الطبي. وتساءل صدام عما إذا كانت تلك النتائج صادرة عن الأميركيين أم هيئة تحقيق مستقلة. وكرر القول إن أي معاملة سيئة غير مقبولة سواء أكانت تجاه المدنيين العراقيين أو مواطني أي دولة أخرى. ونفى أن تكون القيادة العراقية قد قُدم إليها معلومات خاصة بانتهاكات وعمليات تعذيب بحق أسرى الحرب. وفي سياق المناقشة الخاصة بالادعاءات بسوء معاملة أسرى الحرب من جانب العراق قال المحقق: «قدمت كل من حكومة الولايات المتحدة والأمم المتحدة والصليب الأحمر تلك المزاعم للحكومة العراقية، وربما لم يُعلَم بها الرئيس لكنها لم تلق ردا من القيادة العراقية». ورد صدام بأن «ما أحطت به علما هو أن هناك سجينا أميركيا، ليس سجينا، عذرا، ولكن شخصا أميركيا أعتقد أنه كان ضابطا قيل إن طائرته أصيبت فوق الصحراء الغربية وهبط بمظلته وأن الأميركيين يبحثون عنه وعرضوا على أوراق عمل وطلبت منهم تسهيل المهمة وأن يخبروهم أنهم موضع ترحيب. ودعوهم يحتفظوا بالمعلومات حتى لا يقولوا إننا اطّلعنا عليها. دعوهم يحتفظوا بمعلوماتهم معهم. وبالنسبة إلى الأفراد الذين كانوا يُجرون عملية البحث دعوهم يأتوا هنا ويقولوا لنا أين الطيار. وأنا أعني أنهم يقومون بعملية البحث».
لم يستطع صدام تذكر اسم الطيار. وقال إنه أمر المسؤولين العراقيين بالسماح للأميركيين بالبحث عن الطيار، وقال إن المسؤولين العراقيين قدّموا يد العون من خلال تقديم معلومات حول مكان الطيار.
* صدام: أنا من وضع خطة غزو الكويت وتنفيذها استغرق ساعتين ونصف الساعة
ـ قال إنه خطط لمهاجمة الخفجي لجر قوات التحالف إلى قتال بري
ـ محضر جلسة الاستجواب الـ11
ـ 3 مارس (آذار) 2004
* قبل بدء المقابلة، قيل لصدام إن هذه الجلسة سوف تكون استكمالا لجلسات النقاش المتعلقة بغزو الكويت. وقد قال صدام إنه الذي وضع خطة الغزو العراقي للكويت، ولأن الكويت، جغرافيا، هي في الأساس أرض مفتوحة فلم تكن هناك حاجة إلى خطط تكتيكية محددة أو مصادر قوة معينة للقيام بتلك العملية، فأي شخص لديه خبرة عسكرية يستطيع أن يضع خطة غزو عسكرية فعالة.
وقد اكتمل غزو الكويت خلال ساعتين ونصف الساعة كما كان مقدرا سلفا، وقال صدام إنه كان يجب ألا يستغرق الأمر أكثر من ساعة، فهو يعتقد أن الأمر كان من المفترض أن يتم بسرعة أكبر من المقدرة سلفا، نظرا لمساندة الشعب الكويتي للغزو. وقد تراجع صدام بذلك عن تصريح سابق له في الاستجوابات السابقة بأن الشعب الكويتي قد طلب من العراق غزو بلادهم للتخلص من القيادة الكويتية. وعندما طلب منه أن يوضح كيف عبر المواطنون الكويتيون عن رغبتهم تلك إلى الحكومة العراقية قبل الغزو أجاب صدام بأن بعض الكويتيين وليس جميعهم كانوا يشعرون بذلك، مضيفا: «لقد شعرنا بأنهم يطلبون منا ذلك».
وفيما يتعلق بالهجوم على مدينة الخفجي الساحلية والذين خططوا لذلك الهجوم أجاب صدام «أنا».. مضيفا أنه لن يلقي باللوم على أصدقائه. وأضاف: إن خطط الجيش كانت سهلة بعد ثماني سنوات من الحرب مع إيران، من 1980 إلى 1988، كما أن أي عملية عسكرية تتطلب خبرة بجغرافية المنطقة وخبرة بالأسلحة وبقدرات العدو، بالإضافة إلى قدراتنا نحن، بالإضافة إلى العوامل الأخرى التي تشمل التدريب، والإمدادات اللوجيستية ومعنويات الجنود. ومع توافر تلك الخبرات، كانت خطة العملية التي قام بها الجيش في الخفجي سهلة للغاية.
فقد كانت الأرض مفتوحة بما يشبه جنوبي العراق، ولا توجد بها أي «تعقيدات»، ومصدر القلق الوحيد كان يتعلق بقدرات العدو الجوية.
وعندما سئل عما إذا كان الغرض من الهجوم على الخفجي هو إجبار قوات التحالف على الدخول في حرب برية، أجاب صدام بأن خبراء الجيش كانوا يعلمون أن أي هجوم بري ضد الجيش العراقي كان عملية صعبة، كما أنه يعتقد أن العدو يحتاج إلى حوالي مليوني جندي لكي يدخلوا حربا برية مع القوات البرية العراقية، إلا أنه يمكن استخدام السلاح الجوي لضرب القوات العراقية ومن ثم يعودون إلى القواعد.
وقد أشارت المعلومات الأولية التي توافرت للعراق إلى أن قوات التحالف البرية كانت تقبع في المنطقة المحيطة بالخفجي، ولهذا السبب قررت القوات العراقية أن تهاجم قوات التحالف وأن تجبرها على القتال.. وقال صدام «إنه يبدو أن قوات التحالف قد انسحبت في أعقاب هجوم القوات العراقية، وبعد ذلك، ظلت القوات البرية العراقية في تلك المنطقة، وكلما مر الوقت كان العراق يخسر جنودا، وذخيرة، ومعدات، وقد قتل العديد من الجنود العراقية نتيجة الضربات الجوية المتكررة لقوات التحالف بدون أن نرى أبدا العدو يقترب من الأرض».
وقد أنكر صدام حسين أن تكون القوات العراقية قد هزمت في الخفجي مما أجبرهم على الانسحاب، وقال إن العراق لم يكن ينوي احتلال المدينة، فقد ذهبت القوات العراقية البرية إلى الموقع لمحاربة قوات التحالف البرية، وبعدما لم تواجه أي مقاومة برية، انسحبت القوات العراقية في اليوم الثاني باختيارها، وألمح صدام إلى أنه يبدو أن قوات التحالف لم تكن تدرك انسحاب العراقيين لعدة أيام، وقد اعترف صدام حسين بأن قوات التحالف كانت متفوقة جويا. وفيما يتعلق بما إذا كان أحد الأهداف العراقية من الهجوم على الخفجي كان اعتقال أسرى حرب أميركيين، أجاب صدام بأن أحد مبادئ الحرب هو أن تقتل أو تأسر العدو. وبعد أربعة عشر يوما من هجوم قوات التحالف على القوات العراقية، أراد العراق أن يحدث إصابات بين صفوف قوات التحالف، إلا أن العراق كان يفضل أن يعتقل بعض جنود التحالف.
وفي رأي صدام، فإن ذلك كان يمكن أن يكون له «أثر كبير» على العدو. واعترف صدام بأن الهجوم على الخفجي ربما لم يكن فعالا، إلا أنه ربما يكون قد أظهر لقوات التحالف القوة العراقية. وربما يكون ذلك هو ما أدى إلى الضربات الجوية الممتدة التي شنتها قوات التحالف، كما أنه ربما يكون قد أدى إلى تأخير الهجوم البري لقوات التحالف.
ويعتقد صدام أنه كان يجب أن تشن القوات العراقية الهجوم البري في وقت مبكر عن ذلك، ولكن العملية تم تأجيلها لأسبوع إضافي، مما وفر فرصة لقوات التحالف لشن ضربات جوية إضافية، مما أضعف القوات البرية العراقية. وقد أنكر صدام وجود خطة لاعتقال أسرى حرب أميركيين كوسيلة لمنع الهجمات الجوية المستمرة من قبل قوات التحالف، وأكد أنه، وليس أي شخص آخر في الحكومة العراقية أو القيادات، هو من كان يعطي الأوامر بإطلاق الصواريخ الباليستية على إسرائيل، قائلا «إن كل شيء حدث لنا كان بسبب إسرائيل».. وأضاف أن كل «الأشياء السيئة» بالنسبة للعرب تأتي كنتيجة للممارسات الإسرائيلية، كما قال إن إسرائيل «تدفع» السياسيين الأميركيين و«تملؤهم بالكراهية»؛ فقد بدأت إسرائيل بالهجوم على العراق في عام 1981 مدمرة المفاعل النووي الوحيد في البلاد. ومن وجهة نظر العراق فإن الحرب مع إسرائيل «مازالت مستمرة». وخلال حرب 1991 كان صدام يعتقد أن الولايات المتحدة ربما توقف الحرب إذا «تأذت» إسرائيل. كما أنه أراد كذلك أن يعاقب الدولة التي يعتبرها مصدر كل المشكلات، وأنكر صدام أن يكون أحد أسبابه لضرب إسرائيل بالصواريخ الباليستية هو الانتقام من إسرائيل، أو جعل التحالف ينهار، أو لكي يتخلى العرب عن تأييدهم للتحالف. ووفقا لصدام، فإن الدول العربية التي كانت تساند التحالف قد لحق بها «العار». إلا أن أي سحب لتأييدهم ضد العراق كان عديم الفائدة.
وقال صدام إنه كان هناك سببان للحرب في 1991، النفط وإسرائيل. وأضاف أن الكويت لم تكن تفكر في عمل أي شيء ضد العراق، إلا إذا «دفعت» من قبل دولة أخرى (الولايات المتحدة). وعندما أخبر المحقق صدام بأن المؤرخين يعتقدون أن العراق هي من بدأت بالهجوم، أجاب صدام بأن ذلك كان نتيجة «ممارسات الكويت» ولم يكن «سبب الحرب».
وقد أنكر صدام أن تكون القوات العراقية قد انسحبت من الكويت بعد أن منيت بالهزيمة، وأصر على أن القوات العراقية قد انسحب نتيجة قرار رسمي، فقد تم التفاوض مع الروس بشأن وقف إطلاق النيران والانسحاب العراقي، وقد قبل العراق ذلك. وقد شنت قوات التحالف ضرباتها الجوية ضد القوات البرية العراقية في الوقت الذي كانت فيه القوات العراقية تنسحب بموجب أوامر رسمية أصدرتها القيادة العراقية، وأنكر صدام أن تكون القوات العراقية قد انسحبت خشية التعرض للتصفية.
وقال صدام إنه كانت هناك خطة لانسحاب القوات العراقية منذ 12 أغسطس (آب) 1990، إلا أن العراق لم يجد أي حكومة في المجتمع الدولي أو في الدول العربية يمكن أن توافق على التفاوض وفقا لتلك الخطة. وقد عبر الرئيس الفرنسي عن تأييده لتلك الخطة في البداية، ولكنه سحب ذلك التأييد بعد أن خضع للضغوط التي مارستها عليه الولايات المتحدة الأميركية. وبعد ذلك قبل العراق المبادرة الروسية التي كانت قد نوقشت قبل ذلك، وأنكر صدام أن يكون قد قبل الخطة بسبب الخسائر الضخمة التي مني بها الجيش العراقي.
ثم تحول الاستجواب بعد ذلك إلى مناقشة حول الخطاب الذي أرسله حسين كامل باسم الرئيس العراقي صدام حسين بتاريخ 19 فبراير (شباط) 1991 إلى علي حسن المجيد، والذي يشير في جزء منه إلى أنه يجب على الجيش العراقي أن ينقل أي أو كل الأشياء التي يمكن أن تساعد في إعادة بناء العراق. وقال صدام إن الطريقة الطبيعية لتلقي الأوامر من الرئيس تكون عبر الخطابات المرسلة من الديوان الرئاسي. ولم يكن كامل سكرتيرا ولكنه كان ببساطة واحدا من الوزراء العراقيين، كما أن كامل كان معروفا «بأن له طريقته الخاصة في تنفيذ الأشياء». وبعدما تلا عليه الخطاب أحد المترجمين سأل صدام حسين ما إذا كانت الأشياء التي ذكرت في ذلك الخطاب هي أشياء كان الجيش العراقي يستخدمها في الكويت أم أنها أشياء من الكويت نفسها، مضيفا أنه لم يأمر أبدا الجيش العراقي بتحريك أي أشياء سواء من معدات العراق نفسه أو من الأشياء الخاصة بالكويت. وقال صدام إن الخطاب ربما يشير إلى المعدات الكويتية التي استخدمها عدة وزراء عراقيين في الخدمات الحساسة مثل الكهرباء والمياه ووسائل النقل وخدمات الهاتف. وقال إنه ببساطة كان خطابا من وزير إلى وزير آخر، طالبا منه إعادة المواد التي أخذتها القوات العراقية إلى الكويت.. وأضاف صدام أنه لم يأمر بكتابة الخطاب، وأن أي أشياء أو مواد أخذت من الكويت بعد ذلك الخطاب تم الإعلان عنها.
وعندما سئل عما إذا كان مسموحا للقيادات العراقية إرسال خطابات باسم الرئيس بدون علمه أجاب «هناك عناصر سيئة في كل مكان. وهو ميت (حسين كامل) الآن». وأنكر صدام معرفته إذا ما كان هناك أعضاء آخرون في القيادة العراقية يتصرفون باسم الرئيس بدون أن يكون الرئيس فعليا قد خول إليهم تلك الصلاحيات، وقال صدام إن الخطاب المذكور لم يكن خطابا رسميا. وكرر أن الطريقة الرسمية لإصدار مثل تلك الخطابات بعد أوامر من صدام نفسه كانت تقتضي إرسال الخطاب من الديوان الرئاسي إلى علي حسن المجيد، خاصة ذلك النوع من الخطابات الذي يخول سلطات إلى شخص محدد هو في هذه الحالة حسين كامل.
* صدام: أميركا أملت على العراق خطوات بشأن الكويت كان تنفيذها مستحيلا
ـ قال إن العدد الكبير من الجنود العراقيين الذين وقعوا في الأسر لم يؤثر على عزيمة جيشه القتالية
ـ محضر جلسة الاستجواب الـ12
ـ 5 مارس (آذار) 2004
* قبل البدء في الاستجواب تم إعلام صدام بأن هذه الجلسة سوف تكون استكمالا للمناقشات السابقة التي تتعلق بالكويت.
أقر صدام بأن وزير الخارجية طارق عزيز التقى بوزير الخارجية (الأميركي) جيمس بيكر في جنيف بسويسرا في يناير (كانون الثاني) 1991، ومن وجهة نظر القيادة العراقية، فإن هدف هذا اللقاء كان استغلال أية فرصة للسلام فيما يتعلق بالموقف مع الكويت. وعندما بدت الفرصة سانحة لمناقشة ذلك الأمر مع مندوب أميركا، قرر العراق أن يستغلها، وكانت القيادة العراقية تعتقد أن أي نتائج سيسفر عنها هذا اللقاء سوف «يكون لها وزنها» في المجتمع الدولي.
ووفقا لصدام، فإن بيكر لم يقدم أي حلول للمسألة الكويتية، بل إن بيكر قد أملى على عزيز خطوات محددة ترغب الولايات المتحدة أن يقوم بها العراق أولا، وأضاف بيكر «وإلا، سوف نعيدكم إلى عصر ما قبل الصناعة.» وقد أخبر عزيز بيكر بأن تنفيذ تلك الخطوات سوف يكون مستحيلا.
وقال صدام إن قضية الكويت كانت بحاجة لأن توضع في إطار القانون الدولي، فكان يجب ألا يتم وضع تلك القضية في يد طرف واحد يملي من خلالها الجانب القوي (الولايات المتحدة) على الجانب الضعيف (العراق) شروط الاتفاق. فكان العراق يسعى إلى وضع إطار لا يظهر من خلاله كدولة مهزومة ولكن إطار يظهر الاحترام للجيش والشعب العراقيين.
ويقول صدام «نحن راغبون في السلام». وفي وثيقة مؤرخة بـ12 أغسطس (آب) 1990، عبر العراق عن تلك الرغبة من خلال الاقتراح الأول. وكما هو مذكور في استجواب سابق، فإن ذلك الاقتراح لم يقبله أي عضو في المجتمع الدولي، فقد أراد العراق ضمانا بألا يتعرض لأي اعتداءات وبإنهاء العقوبات التجارية المفروضة عليه. ومن دون الوجود في إطار القانون الدولي، كرر صدام بأن العراق كان ليظهر بمظهر المهزوم في قضية العراق ـ الكويت. وقد اعتبر صدام أن ذلك الاقتراح العراقي بحل سلمي والمذكور سلفا فيما يتعلق بالكويت كان قانونيا، ومثله مثل أي اقتراح آخر لن يتم قبول كل أجزائه. ولكن ذلك الحل العراقي لم تتم مناقشته أبدا على أية حال. وقد تساءل صدام إذا ما كانت قضية الكويت أكثر أهمية من القضية الفلسطينية. وقال إنه يعتقد أن الكويت تعتبر أكثر أهمية بالنسبة للولايات المتحدة والمجتمع الدولي لأن العراق كان كيانا معارضا بالإضافة لوجود النفط في الكويت. وكما هو مذكور في حوار سابق، فقد أشار صدام إلى أن الكويت «أخذت» من العراق، وأضاف أن العالم لم «يتجمع ويقف» عندما أعيد توحيد اليمن بعد سنوات من الانفصال.
واستمرارا للمناقشة المتعلقة بالاقتراح العراقي في 12 أغسطس (آب) 1990، تساءل صدام عن سبب اعتبار طلب العراق تفعيل قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالأراضي التي استولت عليها كل من إسرائيل وسورية أمرا غير عادي. فإذا كانت هذه القرارات قد فعلت، لكان العراقيون سوف يؤمنون بأن القانون الدولي يتم تطبيقه بعدالة على العراق في 1991، وقال صدام إنه لم يخبر أحد العراق بأن هناك فقرات أو مقاطع في الاقتراح العراقي تحتاج إلى التغيير أو الحذف، وأكد أن العراق كان قد سلك بجدية عدة مسالك لتحقيق السلام.
وعندما سئل عما إذا كان القادة العراقيون مندهشين من عدد سجناء الحرب العراقية الذين يقدرون بنحو 86743 والذين اعتقلتهم قوات التحالف خلال حرب 1991، أجاب صدام «لا، فتلك هي الحرب». ووفقا لصدام، فإنه لم يتم اعتقال أسرى الحرب العراقيين بالمعنى التقليدي، فكانت هناك عدة عوامل أدت إلى اعتقالهم بما فيها فقدانهم لوسائل الاتصالات والنقل، والافتقار إلى الطعام والإحساس بالضياع. ونظرا لهذه العوامل فإن العديد من الجنود العراقيين قد سافروا إلى السعودية بحثا عن الملجأ الآمن فالتقطتهم قوات التحالف.
وعلى العكس من ذلك، فقد قال صدام إن أثر الهجمات الموجهة ضد العراقيين في 2003 كان أعظم من هجمات 1991. وعلى الرغم من ذلك، فإنه تم اعتقال عدد أقل من أسرى الحرب العراقيين في 2003 وقد أرجع صدام ذلك إلى عدة عوامل كانت موجودة في 1991.
وأنكر صدام أن القيادة العراقية كانت تشعر بالإحباط من أسر ذلك العدد الكبير من أسرى الحرب في 1991. وقال صدام، «لم يكن هناك شيء يفتر عزيمتنا». وقال إن الحرب فيها حظ وسوء حظ، وإن تلك كانت إرادة الله، وأنكر أن يكون اعتقال قوات التحالف لذلك العدد الكبير من الجنود العراقيين قد أثر على القدرات العراقية في الاستمرار بالقتال، وزعم أن ذلك العدد لا يشير إلى نتيجة المرحلة أو الحرب، مضيفا أن العراق قد كسب الحرب ضد إيران على الرغم من أن إيران قد اعتقلت عددا أكبر من أسرى الحرب. وفي رأي صدام، فإن اعتقال عدد معين من أسرى الحرب لا يؤثر بالضرورة على إرادة القتال ولا يجبر على اتخاذ قرارات عسكرية معينة. وأقر صدام بأن قوات التحالف قد أطلقت سراح أسرى الحرب العراقيين في 1991 وسمحت لهم بالعودة إلى العراق بعد توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار.
وقد سئل صدام حول الخمسة وأربعين جنديا من قوات التحالف الذين اعتقلهم العراق كأسرى حرب والغرض من الظهور القسري لطيارين بريطانيين من أسرى الحرب لدى العراق على التلفزيون العراقي. وأشار المحقق إلى أن الطيارين كان يبدو أنهم قد تعرضوا للإيذاء الجسدي وأن ظهورهم على شاشات التلفزيون يعد خرقا لمعاهدة جنيف، فأجاب صدام بأن أسرى الحرب، خاصة الطيارين، يدلون بتفاصيل مختلفة حول اعتقالهم فبعضهم كان يقول إن الفلاحين أو القرويين هم الذين اعتقلوه، بينما يقول آخرون إنهم اعتقلوا من قبل «مجموعة من الناس». ربما يكون هؤلاء العراقيون قد احتفلوا باعتقال مقاتلي قوات التحالف بضربهم وجرهم. فلم يكن دائما الجيش العراقي مسيطرا أو عالما بالملابسات المتعلقة باعتقال الأفراد لأن الاتصالات بين وحدات الجيش قطعتها قوات التحالف.
وفيما يتعلق بأسرى قوات التحالف الذين تم اعتقالهم في 1991، أنكر صدام معرفته بأي نوع من أنواع الإساءة لهم من قبل الذين يخدمون في الجيش العراقي أو الحكومة العراقية. لكنه أضاف أنه لا ينكر أن الآخرين ربما قد «تصرفوا بشكل غير لائق» وإنه كان يتحدث فقط عن معرفته الشخصية بالمسألة. وأضاف صدام أنه كان سوف يدلي بمثل تلك المعلومات إذا كان يعرفها، وقال إنه ملتزم بنص أكثر قدما من معاهدة جنيف وهو القرآن. فالقرآن والتقاليد العربية يؤمنان بأن المعاملة الحسنة لأسرى الحرب تعد «نبلا». ويعتقد صدام بأنه يجب أن يحترم العالم بأسره المبادئ التي أقرتها معاهدة جنيف بغض النظر عن الملابسات أو الجنسية.
وفيما يتعلق بالتقارير التي تفيد بتعرض أسرى الحرب كافة من قوات التحالف للتعذيب في الحبس العراقي، لم يؤكد صدام أو ينفي هذه التقارير، ولكنه قال إن تلك المعلومات «في ضمير» الذين أوردوها في التقارير وفي ضمائر الذين أجروا التحقيقات. وقد فسر صدام ذلك بأن القادة يأمرون عن طريق «وسائل الاتصالات». وأن القادة الأقل منهم يقودون عن طريق «رؤيتهم أو رأيهم». ومن دون وجود وسائل اتصال مناسبة، فإن كل كيان يتصرف وفقا لـ«رؤيته للأشياء»، وكرر صدام أن أنظمة الاتصالات العراقية لم تكن تعمل منذ حرب 1991، وبناء عليه، فإنه يتوقع أن تكون بعض ممارسات الإيذاء الجسدي المذكورة مثل حرق شعر أحد أسرى الحرب ربما تكون نوعا من «الحماقة». وعندما أشار المحقق إلى أن إساءة معاملة قوات التحالف ربما تؤدي إلى الاعتقاد بأن تلك الممارسات كانت شائعة الاستخدام من قبل الجيش العراقي بأسره أجاب صدام: «لقد أجبت».
وأكد صدام أنه لا يشكك في مزاعم إساءة معاملة أسرى حرب قوات التحالف، وأنه ليست لديه أية معلومات شخصية سواء لتأكيد أو نفي تلك المزاعم. إلا أنه ومن وجهة نظر عملية، فإنه لا يشك في أن الشعب العراقي بعدما تعرض لهجوم طياري قوات التحالف ربما يكون أساء معاملة الطيارين، خاصة إذا كانوا قد شاركوا في اعتقالهم.
المصدر : «الشرق الأوسط»