-١-
أثقُ تماماً أن المقابلة التي أجراها الأستاذ لقمان أحمد أمس، مع رئيس المجلس السيادي، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قد وجدت متابعة واهتماماً واسعاً.
غالبُ الشعب السوداني كان في انتظار إجابات واضحة وصريحة، عن ملفي رفع السودان من قائمة الإرهاب وتطبيع العلاقة مع إسرائيل.
إجاباتٌ تضع النقاط على الحروف، وتزيل اللبس والغموض اللذين اكتنفا التعامل مع الملفين.
-٢-
لا أحدَ له ضميرٌ وطنيٌّ حرٌ ونزيهٌ، يقف ضد تحقيق المصالح الوطنية العليا للدولة السودانية، عبر الانفتاح على العالم والخروج من العزلة الاقتصادية.
وسَاذجٌ من يُريد للسودان الانكفاء على الماضي، والانغلاق على كلاسيكيات الصراع العربي الإسرائيلي.
لم يعد هناك موقفٌ عربي مشترك ذو قداسة غير قابلة للتجاوز.
لا لاءات الخرطوم الثلاث، ولا أغاني الحلم العربي، ولا قصائد أحمد مطر ومظفر النواب.
غالب الدول العربية اختارت لنفسها منفردة المسار الذي يحقق مصالحها الوطنية، وهي تتعامل مع القضية الفلسطينية.
توجد دولٌ اختارت خيار التطبيع الكامل، وهنالك من اكتفت بتطبيع جزئي محدود، وتوجد دولٌ تتعامل مع تل أبيب عبر الأنفاق السرية!
-٣-
فكرة الخروج من المحفوظات القديمة وتأسيس العلاقات الخارجية على المصالح العليا، تجد تأييداً واسعاً على النطاق الشعبي.
وغالب القُوى السياسية لا تقف بعيداً عن تلك الرؤية، ومن هو باقٍ على القديم لن يجد سوقاً لبضاعة منتهية الصلاحية إلا بعملة أهل الكهف!
إذن الخلاف في الأساس لا على المبدأ، ولكن على الطريقة البائسة والمُخجلة التي تم بها التطبيع.
تمت إدارة الملف بصورة مُهينة لكبرياء الشعب السوداني عبر ابتزاز أمريكي وقح، وابتذال سياسي مهين، مضى في اتجاه تسليع الموقف.
هنالك فرقٌ بين تطبيع يقوم على تحقيق المصالح الاستراتيجية العليا، وبين اللهث وراء مكاسب سوقية صغيرة ومحدودة.
-٤-
أشدنا في السابق بطريقة رئيس الوزراء دكتور عبد الله حمدوك وهو يرفض الرضوخ للابتزاز الأمريكي، وقلنا جديرةٌ بالاحترام ومستحقة للدعم والإسناد.
رفض حمدوك إجراء مكالمة هاتفية مع نتنياهو في زيارة بومبيو للخرطوم.
أعلن أكثر من مرة عدم الربط بين ملف رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب ومشروع التطبيع مع إسرائيل.
تعامل مع الأمريكان بسُوء ظن فطن، حينما فرض عليهم طريقة خُذ وهات.
لكن للأسف، فشل حمدوك فشلاً ذريعاً في إدارة الشوط الأخير.. حين انهارت دفاعاته فجاةً، لتستقبل شباكُه كثيراً من الأهداف المُذلُة.
-٥-
أظهرت التفاصيل الأخيرة، دكتور عبد الله حمدوك بمظهر (غير الصادق)، حين أُزيل الستار ووضح للمشاهدين، وجود ارتباط مُحكم بين الملفين، على غير الزعم والادعاء!
وضحت بصورة سافرة العشوائية وعدم المؤسسية في إدارة الملفات الاستراتيجية المهمة.
قبل ساعاتٍ من إزالة الستار، كان حمدوك يتحدّث بأن موضوع التطبيع مع إسرائيل يحتاج لحوار مجتمعي عميق.
فإذا بنا نكتشف أنّ الحوار حول الملف المهم، لم يَحظَ ولا بنقاش محدود في دائرة الحكم الصغيرة.
ذلك ما صرّح به عضو المجلس السيادي دكتور صديق تاور!
-٦-
ثبت للجميع أنّ الحكومة تتحدّث بألسن متعددة ومتناقضة، ما يقوله وزير ينفيه وزير آخر، وما يؤكده بيان رسمي يدحضه تصريح رسمي آخر!
ارتباكٌ وغموضٌ وكذبٌ وتخبُّطٌ وتناطحٌ بين التصريحات، يجعل من دولتنا مادة شهية للتسلية السياسية في الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي.
كنا ننتظر دكتور عبد الله حمدوك أن يخرج للعلن ليشرح ويفسر ويدحض كل الاتّهامات.
للأسف كان خياره الاختباء خلف أصبعه، والهروب عن مُواجهة الرأي العام، في وقتٍ كان بإمكانه إعادة تقديم نفسه بصورة تُليق بالكبار.
-٧-
خرج الفريق البرهان ببزّته المدنية ليتحدّث بكل ثقة وحضور وثباتٍ، مجيباً على أسئلة لقمان الصريحة والمباشرة.
تحدّث البرهان في كل المواضيع التنفيذية من التطبيع ورفع السودان من قائمة الإرهاب إلى صفوف الوقود وأزمة الخبز، تحدث كأنه رئيس وزراء!
وفّر إجابات جديرة بالنظر، وتهرّب من تساؤلات مستحقة للإجابة.
لا أعرف إلى متى سيظل دكتور عبد الله حمدوك يُضيِّع الفُرص التي تُتاح له أمام المرمى، ليحرز أهدافاً ذهبية؟!
بدّد حمدوك كثيراً من رصيد شعبيته بالتردُّد وعدم إحسان الختام.
-أخيراً-
إذا لم يتدارك السيد رئيس الوزراء المحترم، إصلاح وتصحيح منهجه وأسلوبه في العمل، سيجد لافتات شكراً حمدوك تتحوّل بين عشية وضحاها إلى (عفواً حمدوك.. عليك بالانصراف)..!!
ضياء الدين بلال
السوداني