* حديثي اليوم ليس عن التطبيع وإن بدا كذلك، وانما عن سلسة الاكاذيب التي تمارسها الحكومة على الشعب السوداني بشأن التطبيع منذ زيارة وزير الخارجية الأمريكي وحتى هذه اللحظة، ولم يتبق لها إلا ان تسخر من الشعب كما كان يفعل المخلوع بقولته الشهيرة : “حصل كضبت عليكم” .. ولا أدرى لماذا لا تعترف الحكومة عيانا بيانا بالتطبيع إن لم تكن ترى فيه عيبا أو خطأ، باعتبار ان السودان حر في أن يُطبّع أو لا يُطبّع وفى ممارسة سيادته على قراره بدون تدخل من أحد، بدلا عن الاكاذيب واللف والدوران الذى ظلت تمارسه بخصوص الموضوع !
* ليت الحكومة كانت في شجاعة وزير العدل الذى (ختاها قرض ) مع أي معارض للتطبيع وذكر بأن الشعب السوداني ليس له (ثوابت)، وأفتى بأن الوثيقة الدستورية تجيز التطبيع، والما عاجبه يشرب من البحر (التعبير الأخير من عندي)!
* أو في جرأة المستشار الإعلامي لرئيس مجلس السيادة العميد (الطاهر ابو هاجة) الذى ذكر في مقال بالموقع الإلكتروني للجيش السوداني “إن الفصل بين التطبيع مع إسرائيل ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب مثل فصل الروح عن الجسد”، فأراح واستراح واستحق وسام الشجاعة، مهما اختلفنا أو اتفقنا معه حول أسلوب (لي الذراع والابتزاز ) الذى لجأت إليه الإدارة الأمريكية لإرغام السودان على التطبيع وربطه برفع السودان من قائمة الارهاب، إلا أن الحكومة لا تزال تصر على الكذب وتنفى ذلك، والغريب أن الذى يكذب وينفى الربط هو نفسه الذى يؤكده، وفى نفس التصريح!
* قال وزير الخارجية المكلف (عمر قمر الدين) في تصريحات صحفية إن الذى يجرى ليس تطبيعا، وإنما اتفاق حول التطبيع ..(لحنها يعنى)!
* ثم انه يرهن التطبيع “بموافقة المجلس التشريعي عليه”، ولكنه سرعان ما يكشف بنفسه عن كذبه الصريح، بالبيان الذى أصدرته وزارته عن اتفاق السودان وإسرائيل على اجتماع وفدين من البلدين في الاسابيع المقبلة للتفاوض وإبرام اتفاقات التعاون في مجالات الزراعة والتجارة والاقتصاد والطيران ومواضيع الهجرة، وغيرها من المجالات لتحقيق المصالح المشتركة للشعبين، فكيف نفهم تصريحات الوزير بأن الذى جرى ليس تطبيعا وإنما اتفاق على التطبيع، وأن التطبيع رهين بموافقة المجلس التشريعي، بينما تم الاتفاق بين الطرفين على اجتماع الوفود لإبرام التعاون في مجالات الزراعة والتجارة والاقتصاد والهجرة ..إلخ، إلا إذا لم يكن الوزير في وعيه عندما أطلق تصريحاته الغريبة، أو انه يعتقد أن الشعب غبى، أو انه يراهن على (الجداد) الذى يهلل ويهتف بدون أن يقرأ أو يفهم، وإذا كان الامر كذلك فله كل العذر بدون شك !
* ولا تزال رئاسة مجلس الوزراء تصدر البيانات المثيرة للسخرية مصرة على أن المسارين (التطبيع ورفع العقوبات) منفصلان عن بعضهما البعض، ولقد أكدت في بيان طويل أصدرته أول أمس على ذلك، وأعادت في هذا السياق ما قاله رئيس الوزراء لوزير الخارجية الأمريكي خلال زيارته للسودان، قائلةً بأن التفاوض بين السودان وأمريكا تواصل على هذا الأساس الى ان تم الاتفاق على شطب السودان من قائمة الارهاب، “وهنا اقترح الجانب الأمريكي على حكومة السودان أن تتم مكالمة هاتفية رباعية يقوم فيها الرئيس ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتهنئة رئيس مجلس السيادة ورئيس مجلس الوزراء برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب والاعلان عن اتفاق مبادئ بين السودان وإسرائيل على تطبيع العلاقات” .. تخيلوا كمية اللف والدوران والكذب، وكان أطرف ما قيل تعليقا على هذه الفقرة، إن الموضوع كان (خطوبة)، ولكن الامريكان قالوا (نعقد) !
* ما دام طبعتوا، تحملوا المسؤولية بكل جرأة وشجاعة، وما في لزوم للف والدوران والأكاذيب والمبررات السخيفة.. وزى ما بقولوا أهلنا (الصقر إن وقع كتر البتابت عيب) .. والبتابت هى الفرفرة والجرسة!
الجريدة
زهير السراج