الاقتصاد السياسي للتطبيع: لا عزاء لمن سال لعابه لبكشيش بالشيكل

من الحمق وخفة العقل توقع تدفق استثمار إسرائيلي على أي مستوى معتبر رغم احتمال إعلان مشاريع سريعة للتعاون لزوم الدعاية والحرب النفسية ولكنها ستموت في مهد اوراقها بعد ان تؤدي الغرض الدعائي والنفسي.

إذا كان لنا ان نتعلم أي شيء من تاريخ الشرق الاوسط وشمال افريقيا ، لوعينا ان إسرائيل تمكنت من التطبيع مع حكومات ولكن شعوب هذه الدول استمرت في عدم التطبيع، وبالتالي ظل التطبيع فوقيا بين الحكومات بينما لم تتقبله الشعوب التي تصر علي انصاف الفلسطينيين ثم التطبيع وإقامة السلام العادل بعد ذاك كما ورد في مبادرة الملك عبدالله التي أجازتها جامعة الدول العربية في 2002.

إذا كانت الظروف مهيأة لتدفق الاستثمار الأجنبي في شرايين الاقتصاد السوداني لكان قد أتى منذ فترة طويلة من مئات الدول غير إسرائيل.

ظلت تدفقات الاستثمار الأجنبي ضعيفة بسبب عدم الاستقرار السياسي وهشاشة الوضع الأمني وإطار السياسة الاقتصادية غير المستقر وضعف البنية التحتية. التطبيع لا يغير أي من هذه الكوابح غير المواتية لتدفق الاستثمار الأجنبي.
أقصى ما يمكن أن تقوم به إسرائيل بعد التطبيع هو بيع أجهزة وبرامج مراقبة امنية للجيش والميليشيات السودانية أو استخراج بعض الموارد الطبيعية النادرة في مناطق نائية دون المساهمة في الاقتصاد أو خلق فرص عمل.

كما ان السوق السوداني ضعيف الموارد ولن تستطيع إسرائيل ان تبيع فيه منتجاتها التصديرية التي تتميز بـتكلفة عالية لا قبل للمشتري السوداني بها سواء ان كان علي مستوي الافراد أو المؤسسات أو الشركات.

إذن ماذا تريد إسرائيل من التطبيع؟ بالنسبة لهـا التطبيع انتصار سياسي كبير وتأثيره النفسي عارم ، ويمكن استخدامه لإغواء أو إكراه دول عربية أخرى على التطبيع ، خاصة تلك الدول التي تتمتع بـأسواق غنية وموارد مالية زي الرز.

بعبارة أخرى، بعد التطبيع وإعادة تعريف خريطة الشرق الأوسط جيواستراتيجيا ستتقارب الدول العربية الغنية مع الدولة القوية, ولكن في الواقع الجديد ستزداد هامشية السودان بدلا عن ان تخف وسيجد نفسه اكثر عزلة في محيطه التاريخي التقليدي. ولا عزاء لمن سال لعابه لبكشيش بالشيكل.

د. معتصم الأقرع

Exit mobile version