الحاجة الى مجلس حكماء

لا أعتقد أن أحداً يستطيع اليوم الاجابة عن السؤال الصعب الى أين نحن ماضون، ولا اعتقد ان أياً من كان بمقدوره تحديد الوجهة التي ستمضي اليها البلاد، إلى العلا والسؤدد أم أنها ستتدحرج إلى ما هو أسوأ وتتفرق ايدي سبأ، فالناس في بلدي هذه الايام لا يصنعون الحب على نقيض ما غنت به فرقة عقد الجلاد، فهم اليوم منقسمون حول شأنها إلى فسطاطين وأحياناً الى ثلاثة وأكثر، فسطاط يراهن على التطبيع وثمراته المنتظرة التي يزعمون أنها ستخرج بالبلاد إلى بر الأمان، وفسطاط آخر يقف على الضفة الأخرى من الأول ويرى عكس ما يراه، وفسطاط يرى الخلاص والنجاة في رفع الدعم، بينما يقف فسطاط آخر في الجهة الاخرى المعاكسة ويقاوم بشراسة، وتقف البلاد في مفترق طرق حائرة بين هذه الفساطيط والاراء المتقاطعة، ويبقى حالها كحال من راح عليه الدرب مثخنة بالجراح ومثقلة بالهموم والمشاكل، كلما حاولت الخروج من جحر ظهر أمامها جحر جديد، ظل هذا حالها منذ هجمة داء كورونا اللعين اللئيم والى يوم الصفوف هذا، اكثر من عام وما تزال تحتاج إلى وصفة وطنية مخلصة تلملم أطرافها وتحلحل مشاكلها وتطبب جراحها، ولكنها ويا وجعي عليها لم تجد طبيبا مداويا ولا حكيما منقذا ولا برنامجا مجمع عليه، سوى نهج التشاكس وتباين الاراء واختلاف الرؤى، ولا يعلم القادم إلا الله طالما كان ذلك هو الحال والنهج، كلما استعصى حل قريب وسهل لإحدى القضايا اذا بها للمفارقة تزداد استعصاء وتعقيدا، هكذا بدأت غالب القضايا والمشاكل صغيرة وسهلة وفي متناول الحل، بيد أنها بفعل تأثيرات التشاكس كبرت وتضخمت وخرجت عن اليد وأصبحت في ذمة المجتمع الدولي وفي عصمة امريكا وما تزال تراوح مكانها، وكل ذلك بفعلنا نحن وليس من تدبير شيطان رجيم سكن هذه البلاد وعاث فيها فسادا وأشبعها فتنا، فحتى لو صحت هذه العبارة المنسوبة للخليفة عبد الله التعايشي التي قيل إنه أطلقها في ظروف مشابهة للتي تعايشها البلاد الآن حين تكاثرت عليه تمردات القبائل واشتعلت جذوة الفتن بدلا من أن تشتعل حقول القمح والوعد والتمني، لا تكاد تنطفئ فتنة إلا لتشتعل أخرى، ولا تكاد تخبو حرب إلا لتندلع أخرى، فأطلق قولته المشهورة (البلد دي قطع شك مسكونة)، فلو صح أنها مسكونة فهي للحقيقة لن تكون مسكونة بغير شياطين الإنس وليس شواطين الجن.. 
لسنا هنا في مقام البحث عن مشاجب لتعليق معاناة البلاد عليها، فما يهمنا هو البحث عن الحكمة الغائبة حتى الآن، الحكمة المطلوبة لحل أيما مشكلة أو قضية عن طريق التفاوض والتراضي والاتفاق وليس أي أسلوب غيرها، فتلك هي خبرة البشرية ودرس التاريخ وسنته الماضية، فلا أقل من أن نعتبر بها، ولهذا سنظل دعاة تلاحم وتلاق وطني، ولن ندعو لشحن النفوس وازكاء ما يفرق حتى يعم الخراب كل الأنحاء والأرجاء، فحاجة البلاد الآن إلى حكماء يطببون جراحها وليس حكامات يزيدون حريقها..
الجريدة

حيدر المكاشفي

Exit mobile version