(1)
لم يكن محمد حمدان دقلو “حميدتي” في يوم من الأيام، جزءا من الثورة أو عنصراً من عناصرها، وخلال سنوات طويلة ظل الرجل، أداة طائعة في يد النظام السابق يحركها كيفما ومتى ما أراد.
وحينما تعالت الأصوات داخل النظام نفسه، رافضة لترشيح المخلوع عمر البشير لدورة رئاسية جديدة، هدد حميدتي وتوعد بحسم المعارضين للترشيح، من أجل خاطر عيون البشير.
جاءت الثورة بقوتها الذاتية التي هزت عرش الطغيان وحُراسه، وكل ما فعلته قوات الدعم السريع أنها قررت عدم المشاركة في قتل المتظاهرين، وهو موقف لم يكن يعني الثورة في شيء، لأن قوات أخرى مارست القتل والتعذيب وانتهاك الحرمات، فلم يتراجع الثوار قيد أنملة، المهم هو موقف يخص قوات الدعم السريع وحساباتها.
(2)
في 11 أبريل، استندت اللجنة الأمنية لنظام البشير، على ظهر الثورة المجيدة، وأطاحت بالنظام، وما كان لواحد من أعضاء اللجنة ممن صنعهم البشير، ليجرؤ على رفع حاجبه أمامه، لولا أنه يعلم علم اليقين أن النظام سقط عملياً بواسطة الثورة.
بعد الإطاحة بالنظام، سعى حميدتي عبر حشود مصنوعة للحصول على تفويض شعبي عبر زعماء القبائل ورجال الدين، ليعطيه حق مصادرة الثورة والمدنية التي طالبت بها، وتم فض الاعتصام وحدث ما حدث…!!!
(3)
جاء الرد الحاسم بمليونية 30 يونيو وعادت الأمور لنصابها الصحيح، وفرض الشعب إرادته المدنية، لكن حميدتي وفي أكثر من مرة يصر على خطيئة تشويه صورة المدنية وإظهارها بالعجز والفشل، ولو كان حميدتي أميناً مع نفسه لسبح بحمدها ليل ونهار، لأنها أعطته ما لم يحلم به في حياته، فقد جعلته نائباً لرئيس مجلس السيادة، ورئيس وفد الحكومة في مفاوضات السلام، ورئيس اللجنة العليا للطوارئ الاقتصادية، كما أبقت عليه قائداً للدعم السريع، في وقت تم فيه تغيير كل قادة القوات النظامية.
(4)
قبل ايام، وفي حشد مصنوع بعد عودته من جوبا طالب حميدتي بإصلاح الحكومة الانتقالية، متغولاً على صلاحيات الآخرين واستعطف الناس بقضايا الخبز والوقود والدواء، متناسياً أن الأزمات تلك من تراكم موبقات نظام كان يدافع عنه بالغالي والنفيس.
والسبت الماضي، جاء إلى المؤتمر الخاص بصادرات الماشية، وفيه لم يقدم نفسه كرجل دولة، وواصل مسيرة التجني على الحكومة المدنية، وأحرج أحد وزرائها على الهواء مباشرة رغم أنه ليس له حق محاسبة أي وزير، وحتى لو كان له الحق، فليس من الكياسة ولا الفطنة السياسية، أن يتم ذلك الأمر بتلك الطريقة، لكنه من الواضح أنه يرغب في خلق بطولات أمام الرأي العام لحاجة في نفسه.
بالمختصر المفيد، طريقة حميدتي الحالية واحدة من مهددات الفترة الانتقالية، وبسببها سيخسر الجميع، وسيكون هو أول الخاسرين وأول من يدفع الثمن، لأنه لا يريد الاتعاظ بتجربه ما بعد فض الاعتصام، وما قبلها.
عبدالحميد عوض
السواني