ليس السؤال من هو الاجدر بادارة سلطة المستعمر وانما كيف نؤسس بديلا لها ؟

– الاصل ان الاحزاب هي كيانات تجتمع فيها الاراء المتوالية على فكرة ما، وان تفاعل هذه الاحزاب وتقاطعها هو الذي ينتج عنه عملية التوافق على موسسة للجميع وفوق انتماءات الافراد الحزبية لانها الموسسة التي تنهض بالمهام المشتركة واهمها السيادة التي هي عملية سعي بذمة الجميع، فسفير السودان في بلد ما ليس سفيرا لحزبه وانما يسعى بذمة ادنى السودانيين.
– واعظم وظايف موسسة السلطة ايضا التخطيط القومي للبنى التحتية للاقتصاد والخدمات بعدالة، فحينما تخطط السلطة المركزية للخدمات الصحية مثلا لا تخطط لصحة مواطني ولاية الخرطوم دون الاخرين وانما تنظر في توفير الخدمات الطبية على اساس التعداد السكاني فتحرص على وصول الخدمات للمواطن حيثما سكن او اقام على الاقل لان المواطن الصحيح المعافى من الامراض هو الذي ينتج قوته ويساهم فيه الدخل القومي.
– ومن مهام السلطة المركزية ايضا التخطيط لسياسات الدفاع واعداد القوة والوسائل اللوجستية التي تمكن المواطنين من الدفاع عن بلدهم ان دعا الداعي لذلك. ومن مهامها ايضا بسط موسسات التحكيم والعدالة بين المواطنين اذا نشات بينهم نزاعات.
– هذه وظايف السلطة المركزية الاساسية وهي وظايف ومهام محايدة فالمواطن الشيوعي يحتاج للرعاية الصحية والمواطن الاسلامي يحتاج للقضاء والعدالة والمواطن الشمالي يمكنه ان يجاهد دفاعا عن بلده والمواطن من شرق السودان يمكن ان يصبح سفيرا يسعى بذمتنا جميعا.
– هذا هو الاصل حينما تكون السلطة ابنة المجتمع وناتجة عن توافق مؤسساته وكياناته السياسية والاجتماعية الاخرى، لكن الواقع عندنا ان السلطة بشكلها الحالي ليست ابنة المجتمع وانما ام الاحزاب والمؤسسات السياسية فالمستعمر صنع السلطة اولا ونصبها فوق المجتمع ثم انتج لنا مؤسساتنا الحزبية. ولهذا استقر عندنا الاعتقاد باحقية السلطة في احتكار ولملمة الوظايف لاننا حافظنا على سلطة الجباية والجبر كما اسسها المستعمر ولان مؤسساتنا الحزبية قايمة في معظمها على موقف من الانتماء للتاج البريطاني او البلاط الخديوي او الخلافة العثمانية، والتي لم تتاسس على هذه المواقف تاسست على الموقف من ملكية الدولة لادوات الانتاج، فالحزب الشيوعي مثلا يريد انتزاع الموارد التي سخرها المستعمر للزعماء الطائفيين وتمليكها للمؤسسة التي اسسها المستعمر باسم وتحت غطاء امتلاك ( الدولة ) لادوات الانتاج !! وذاك فكر عقيم اذ انه يستبدل اقطاعا باقطاع بورجوازية ببورجوازية.
– وهذا هو الذي جعل الحركة الاسلامية تبدو مشروعا موازيا لمجمل الواقع السياسي وهو الذي يفسر سر نموها المضطرد السريع جدا قياسا بالنمو السياسي للكيانات والاحزاب، فخطاب الشيخ الترابي عليه رحمة مولاه في ندوة اكتوبر ١٩٦٤ لفت انتباه الناس الى اصل علة نظامنا السياسي وهي اننا لم نستغل رحيل المستعمر في صناعة نظام سياسي مختلف وانما قمنا ب ( سودنة وظايف ) السلطة التي اسسها المستعمر دون النظر الى الاهداف والغايات التي تخدمها هذه السلطة. ومنذ ذلك التاريخ ظلت الحركة في تطور مضطرد حتى تصدى لها السيد علي عثمان طه فحولها من حركة قيمة على السلطة الى حركة مولودة من رحم السلطة تابعة لها ومكتب للعلاقات العامة.

– لذلك فالازمة الوطنية المستفحلة حاليا وثيقة الصلة بازمة الفكر الاسلامي المرتد المنتكس الذي استثمر رصيدا ضخما من الامكانيات المادية والبشرية في ترميم بيت سلطة الجباية والجبر. باع بيته الذي تاسس استقلالا ليستاجر بيتا ائلا للسقوط وانفق في صيانته جهدا ومالا ووقتا.
– والصراع ليس صراعا بين الاسلاميين ومخالفيهم في الفكر فالمقابلة معدومة والمناظرة غير متكافئة لان الاسلاميين تجاوزوا هذه المرحلة منذ ان قالوا للنميري خل بيننا والناس ثم شرعوا يؤسسون لمشروع مواز تماما لمشروع سلطة المستعمر، وقد اثبتت الفترة الانتقالية التي اعقبت سقوط مايو ذلك اذ سقطت سلطة المستعمر وبقي مشروع الحركة الاسلامية ليس لانها الاقوى حزبيا ولكن لان المشروع نفسه لم يعد مشروعا حزبيا فلا منظمة الدعوة كانت تتبع لمكتب في الحركة ولا بنك فيصل كان نافذة للقطاع الاقتصادي فيها ولا موسسة التنمية كانت مكتبا اجتماعيا فيها بل ان رجالا كثيرين اصبحوا هم انفسهم موسسات اكبر من كيان الحركة التنظيمي نفسه فاي مكتب تنظيمي كان يمكنه استيعاب يسن عمر الامام او مبارك قسم الله واي موسسة حزبية كان يمكنها استيعاب طاقات ومبادرات وافكار علي عبدالله يعقوب؟
– تحولت الانقاذ الى نزوة لدى بعض افندية الحركة الاسلامية الذين حاولوا استثمار رصيدها الهائل في اكتساب عضوية نادي سلطة المستعمر، فانفض من حولهم شباب الحركة واعتزلهم شيوخها واستفحل الصراع بين الافندية فاستعان بعضهم بالاعضاء القدامى في نادي سلطة المستعمر للانتصار على اخوانه وغاية طموحه ان ينال عضوية ذلك النادي العتيق.
– لذلك فالذين يظنون ان مستقبل السودان ستقرره نتايج صراعات افندية الانقاذ وتحالفاتهم مع بقايا نادي سلطة المستعمر واهمون فلا مستقبل في ذلك المعسكر وغاية ما يطمح اليه حمدوك والبرهان وصلاح قوش هو تجديد العضوية والولاء في نادي العبيد الاستعماري. فمستقبل السودان سيحدده الى حد كبير مستوى وعي وادراك الاسلاميين بالمشروع البديل الموازي لمشروع سلطة الاستعمار .

صديق محمد عثمان

Exit mobile version