احد أرخص المناورات في الخطاب السياسي الراهن تتلخص فيي تجاهل جوهر حجة وبدلاً عن مقارعتها باحسن منها الاندفاع لإلقاء نعوت سلبية غير مستحقة على من يقول بها مثل اتهامه بـالأخونة لمجرد عدم الاتفاق معه أو الانزعاج مما يقوله.
ومن لم يستطع تسويق تهمة الاخونة قد لا يرعوي وقد يغير الخطة الِي الادعاء بأن مقال مخالفه في الجدل يخدم مصلحة الإخوان. وكأن الانسان مطالب قبل ان يفتح فمه بحقيقة ان يقيم وقعها علي الاخوان وبعد ذلك يقرر ما يجب قوله وفعله. والمفارقة ان هذا السلوك هو قمة الانسحاق امام الاخوان بجعلهم معيار حقيقتنا والبوصلة التي تحدد لنا ما يقال وما يجب وما لا ليجوز.
أولا ، لا حد يملك الحق ليقرر بين ما هو في خدمة مصلحة الشعب السوداني في حياة كريمة وديمقراطية مستدامة وما هو الذي يخدم مصالح الإخوان, فهذا تقييم خاص تحده حدود السقف الفكري لصاحبه, وليس بالضرورة هو الحقيقة.
من الغطرسة ان يفترض شخص ما ضمنا أو تصريحا أو ان يوحي بأنه وصي علي الحقيقة السياسية وهو الوحيد المؤهل بـالقدرة على تمييز ما يخدم المصلحة العامة وما يخدم الإخوان .
الآن فيما يتعلق بما يحدث في السودان ، عارض بعضنا نظام الإخوان ليس لأنه يكره شخصهم ولا عن طمع في مقاعدهم الحلوب بـل عارضه لأن الاخوان ، من ضمن العديد من الأسباب الأخرى ، أساءوا إدارة الاقتصاد واعتمدوا سياسات تزيد من المعاناة وتفاقم تكلفة المعيشة لشعب مرهق وأيضا لان هذه السياسات كانت في نفس الوقت معيبة بمقاييس مهنية وفكرية.
وهناك من أهل المعارضة من حشد الشباب لرفض سياسات الاخوان التي افقرت العامة ، واستجاب الشباب للدعوة زرافات ووحدانا وخرجوا إلى الشوارع وسقطوا شهداء وأسقطوا النظام.
ومن المحزن أن نرى انمساخ من حشد الشباب الِي حتفه – وترومات لا حد لها لمن لم يمت – عندما اعتلوا سدة السلطة ، بمعناها الواسع ، داخل الحكومة أو خارجها ، ونراهم يختارون تطبيق نفس السياسات التي حشدوا الشباب لرفضها بدمهم واجسادهم.
ولكن في المقابل , اختار البـعض ان يواصل رفض السياسات التي رفضها في عهد الإخوان اذ لم يستسغ النفاق بالتطبيل في العهد الحالي لما عارضه في العهد الإخواني.
لكن ما يحزن ويثير الشفقة لا ينتهي هنا. بعض من يؤيد الان نفس سياسات التي عارضها في زمن حكم الإخوان يطالب الاخرين بالخرس النفاقي. وان صعب علي المطالبين بالسكوت الكيل بمكيالين يتم اتهامهم بخدمة مصالح خط الإخوان لا لجرم ارتكبه سوي الاتساق ورفض من السياسات ما يراه خاطئا بغض النظر عمن يطبقها – وهذا علي نهج مدينة العلم , الامام علي الذي قال يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال.
وسؤال أخير ، هل فضح الأكاذيب يخدم مصلحة الإخوان أم مصلحة الشعب السوداني؟ ما هي مصلحة الشعب في السكوت عن الحق؟
المنطق يقول ان الأقرب لجوهر الاخوان هو من يطبق سياساتهم أو يدافع عنها أو يقول ضمنيا ان الحقيقة ضد مصلحة الشعب . وقد كنا نعتقد انه من البديهيات ادراك ان الحقيقة دائما في مصلحة الشعب والكذبة والتكميم والسكوت القسري أو الطوعي دوما وابدا في خدمة اعداءه ولكن يبدو انه لا مفر من تكرار الأوليات في هذا الزمان.
معتصم أقرع