جمّع ميشال سعادة مقالات كتبت في رثاء محمود درويش في كتاب صادر عن دار رياض الريس عنوانه (عصي على النسيان) شارك فيه أحمد عبد المعطي حجازي، أحمد الشهاوي، جابر عصفور، محمد بنيس، سميح القاسم، عبد العزيز المقالح، عبد الإله بلقريز وأسماء أخرى لامعة ولم يشارك في هذا العزاء أدونيس!!
أوصى درويش بأنه يريد جنازة هادئة وحسنة التنظيم وأكاليل ورد أصفر وأحمر وقال إنه لا يريد البنفسج، لأن لونه يذيع رائحة الموت، وأوصى بمذيع قليل الثرثرة والبحة وقادر على ادعاء حزن مقنع!! يتناوب مع أشرطة كاسيت تحمل صوت درويش (أريد جنازة هادئة واضحة وكبيرة ليكون الوداع جميلاً وعكس اللقاء، فما أجمل حظ الموتى الجدد في اليوم الأول من الوداع حين يتبارى المبدعون في مدائحهم، فرسان ليوم واحد، محبوبون ليوم واحد، لا نميمة ولا شتيمة ولا حسد، ومن حسن حظي أنني بلا زوجة أو ولد، وذلك ما سيوفر على بعض الأصدقاء جهد التمثيل الطويل لدور حزين لا ينتهي إلا بحنو الأرملة على المعزي، وذلك أيضاً يوفر على الولد مذلة الوقوف على أبواب المؤسسات ذات البيروقراطية البدوية.. حسن أني وحيد.. وحيد.. وحيد).
أوصى درويش بأن تكون جنازته مجانية وبلا حساب مجاملة ينصرف بعدها المشيعون إلى شؤونهم اليومية.. يريد تابوتاً أنيق الصنع يطل منه كما أراد توفيق الحكيم أن يطل.
يتمنى لو كان قادراً على استراق النظر إلى طريقتهم في الوقوف، وفي المشي وفي التأفف وفي تحويل اللعاب إلى دموع!!! تبرع درويش للشاتمين والحاقدين ببعض الشتائم التي تليق بهم وبه ومن تلك أنه كان يحب النساء، ويبذخ في شراء الثياب الفاخرة، وكان سجاد بيته يصل إلى الركبتين وله قصر على الساحل الفرنسي اللازودي، وله حساب سري في زيورخ، وفيلا في إسبانيا وكانت له طائرة سرية وخمس سيارات فخمة في مرآب بيته، وفي بيته من أصداف البحر ما يكفي لبناء مخيم!!
أناقة طبعة هذا الكتاب أشبه بأناقة درويش في الهيئة والمظهر والعبارة، سعدت به يوم أمس الأول الجمعة وقررت زف بعضه للقراء لمشاركتي دبيب لذته الطازجة.
كان درويش يعرف متى يقول وداعاً لكي يبقى ليجعل من لحظة الوداع جسد عناق لا ينفصم، لقد خسرته اللغة فقد كشف أسرارها وغنى جمالها وعرف كيف يفك لغزها بانتزاعها من براثن اللغو وإعادتها حرة صادقة لا تستسلم لمغتصب أرض وكيان هوية، أوصى من استطاع سبيلاً لهذا الكتاب مطالعته،فربما صارت مراثيه عنوان هذه الأيام.
[/JUSTIFY]
أقاصى الدنيا – محمد محمد خير
صحيفة السوداني