(1 )
عندما وضعت أمريكا السودان في لائحتها الخاصة بالدول الداعمة للإرهاب 1993 لم تقع حادثة تفجير المدمرة كول ولا حادثة تفجير السفارتين ومع ذلك حوكم السودان أمام القضاء الأمريكي بهاتين الجريمتين مدنياً لأن الكونغرس شرع تشريعا يسمح للقضاء الأمريكي بنزع الحصانة السيادية من أي دولة موجودة في قائمة الدول الداعمة للإرهاب وهي قائمة نجرتها أمريكا على أسس سياسية بحتة، وكان ينبغي ان يكون هذا أمرا يخص أمريكا فقط، ولكن بقانون القوة الغاشمة المجردة من أي بعد أخلاقي ونتيجة لسيطرة أمريكا على الكثير من المؤسسات الدولية وضعف السودان لتمزق جبهته الداخلية، أصبحت العقوبات الأمريكية عقوبات عالمية على السودان فدفع فيها دم قلبه وجعلته يقف الآن على حافة الانهيار في كل شيء.
(2 )
لم يكن غائبا على المراقبين أن معركة السودان غير المتكافئة مع أمريكا ستكون نهايتها في تل أبيب، ولكن مع ذلك ظل السودان يقدم التنازل تلو الآخر للولايات المتحدة ولعل آخرها دفع تعويضات لاسر ضحايا المدمرة والسفارتين 335 مليون دولار من خزينة أفرغ من فؤاد أم موسى وبعد كل هذا ظهر بند التطبيع مع إسرائيل لانه سوف يحمل ترامب الى فترة رئاسية ثانية، وهنا كان لابد للسودان ان يقوم بعمل حيطة أمام مرماه تشكلت من رفع السودان من القائمة ثم إصدار تشريع يعيد الحصانة السيادية للسودان حتى لا يظهر ابتزاز جديد . الكرة الآن في ملعب أمريكا وتحت أقدام الكونغرس او ترامب فكلها أيام سوف تظهر النتيجة والتي غالبا ما ستكون الرفع من القائمة مقابل التطبيع . السودان يدفع دم قلبه وأمريكا تستلم ما يليها وتصدر التشريع وإسرائيل تجلس خالفة رجلاً على رجل في انتظار أن يقدم لها السودان كهدية ملفوفة في ورق سلوفان.
(3 )
إذن يا جماعة الخير السودان لم يسع للتطبيع مع إسرائيل مقابل شيء عند اسرائيل مثلما فعلت مصر في 1979 في كامب ديفيد والأردن في 1994 في وادي عربة.
فهاتان دولتان مجاورتان لإسرائيل وفي حالة حرب مباشرة معها وبينهما أراض وحدود .
السودان دخل قطار السلام الإسرائيلي في محطته الثانية التي افترعتها دولة الإمارات العربية المتحدة ثم البحرين في سبتمبر 2020 وهي محطة الدول العربية غير المجاورة لإسرائيل . للامارات أهدافها من التطبيع على صعيدها الداخلي والصعيد الإقليمي ولإسرائيل أهدافها من علاقتها بالإمارات والبحرين وبقية دول الخليج، وليس هذا موضوعنا إنما موضوعنا السودان.
(4 )
السودان كما ذكرنا أعلاه نسجت حوله الخيوط وأغلقت عليه الطرق وفتح له نفاج يؤدي الى تل أبيب فمشى فيه ولكن حتما اسرائيل لها أهداف في السودان وقد تكون متعلقة بذات السودان كموارده مثلا وقد تتعلق بصفقة القرن وقد تكون متعلقة بالقرن الأفريقي وشمال افريقيا فكل جيران السودان ماعدا ليبيا يرفرف علم إسرائيل في عواصمهم .
وهنا تترى الأسئلة هل السودان مقبل على مرحلة جديدة ؟ وما هو شكلها ؟ ومن هم الفاعلون فيها ؟وهل نقول وداعا لسودان (1821 -2020 ) وكيف ستكون حفلة الوداع ؟ ولكن السؤال الغائب هو ماذا كان في مقدور أهل السودان فعله ولم يفعلوه ؟ من الذي سلب إرادتهم ؟ أما جيلنا الذي أنفق عمره في السودان القديم وتبقى له القليل، فالسودان الجديد لا يخصه جنة كان أم نارا، فأم جركم لن تأكل سودانين، ويلا أبكوا كلكم .
د. عبداللطيف البوني
السوداني