التطبيع .. نحو حوارٍ عقلاني ! (2)

طرحنا بالأمس رؤية نظرية على موضوع التطبيع بين السودان وإسرائيل .. ورأينا .. عكس البعض .. أن نبدأ بالمخاطر .. أو بالأحرى الخسائر المترتبة على ذلك التطبيع .. كما حرصنا تبيان موقف العالم العربي .. الذي يفترض أن موقف السودان جزء لا يتجزأ منه .. لا يتأخر عنه ولا يتقدم .. وعددنا بعض مظاهر التطبيع مع حقيقة الوجود الإسرائيلي في الإقليم العربي .. بالتركيز على أبرز نموذجين لذلك التطبيع وهما .. عودة الجامعة العربية إلى مقرها الدائم بالقاهرة .. لترفرف إعلام الدول العربية قاطبة .. بجوار العلم الإسرائيلي .. ثم قيام الدولة الفلسطينية .. التي لم تحصل على حق الحياة إلا بعد الاعتراف بالوجود الإسرائيلي .. إزاء هذا الواقع العربي .. خلصنا إلى أن السودان بات من حقه أن ينظر في مصالحه في ضوء الحقائق التي ذكرناها .. ولا شيء يحكمه أو يلزمه غير ذلك ..!



ولعل الملاحظة المهمة هنا .. أن آخر مباحثات حول هذا الموضوع جرت بابي ظبي .. لم تتضمن مفاوضات مع أي طرف إسرائيلي .. ذلك ببساطة أنه ليس بين السودان وإسرائيل ما يستدعى التفاوض حوله .. الخلاف بين الطرفين قائم اليوم على تلك القضية المطروحة فى الفضاء العربي العام .. وهي القضية الفلسطينية .. ولم يزعم أحد أو يدعي السودان .. أنه مخول لينوب عن الشعب الفلسطيني أو سلطته للتفاوض باسمه .. بل إن الفلسطينيين أكدوا بعد كامب ديفيد مباشرة أنهم تعلموا درساً مهماً .. وهو عدم تفويض أي جهة للتفاوض نيابة عنهم .. وموقف السودان من القضية المركزية يمكنه أن يظل كما هو .. خاصة فيما يتعلق بالحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني .. ووقف الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين العزل .. ولئن طبع السودان أو لم يطبع .. فهي خطوة لا تأثير لها على تلك القضية ..!



ولكن .. وكما أشرنا بالأمس .. فالسودان يواجه موقفاً .. صحيح أنه يبدو غريباً .. ولكن الصحيح أيضاً .. أن التعامل معه بحكمة وواقعية ربما يفتح أمامه الباب واسعاً للتعافي والعودة إلى المجتمع الدولي .. وهو الموقف الأمريكي والذي يربط أية خطوة إيجابية تجاه السودان .. بتطبيعه مع إسرائيل .. وبغض النظر عن دوافع واشنطن من هذا الربط .. فدعونا ننظر في المحصلة النهائية .. سيما وأن ثمة حقائق باتت جلية وغير مواربة .. وكما قال لي مسؤول كان قريباً من المباحثات .. أن مسؤولاً أمريكياً أسر له .. بأنه حتى لو دفع السودان تعويضات كل ضحايا الإرهاب .. فالقضية بالنسبة لواشنطن سياسية بالدرجة الأولى .. تبدأ وتنتهى عند التطبيع ..!



فى محاولة لحسم الأمور عرضت واشنطن مصفوفة من تسعة بنود .. طلبت فيها من الخرطوم تنفيذ ثلاثة بنود .. على أن تلتزم هي .. أي واشنطن بتنفيذ البنود الست المتبقية .. والتطبيع مع إسرائيل يساوي بالطبع ثلث ما يلي السودان من التزامات .. ليحصل مقابل ذلك .. وفق المصفوفة على ما يلي .. رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بأمر تنفيذي مباشر من الرئيس متجاوزاً بذلك مماحكات الكونجرس .. قرار آخر من الرئيس الأمريكي بإعفاء ديون الولايات المتحدة على السودان وقدرها ثلاثة مليارات دولار ..التزام الولايات المتحدة بمنحة تغطي احتياجات السودان من المحروقات والقمح والأدوية لمدة عام .. التزام آخر من طرف ثالث بدعم سلعي في حدود المليار ونصف المليار دولار .. رفع تجميد منحة سابقة متبقى فيها ملياران ونصف المليار دولار .. وأخيرا التفاوض الجاد مع نادي باريس .. تقوده واشنطن .. لإعفاء ديون السودان البالغة اكثر من ستين مليار دولار ..!
محمد لطيف

السوداني

Exit mobile version