(الديمقراطي) في حوار مع الدكتور صلاح منّاع
* شخصٌ واحد يمتلك ثلاثة آلاف قطعة أرض!
* البشير الطبيّة أخذت ضماناً من البنك المركزي بـ1.4 مليار دولار!
* بعض أعضاء لجنة التفكيك تعرّضوا لمحاولات تصفية
حوار- مصطفى أحمد سعيد
تأسست لجنة تفكيك التمكين لتُلبّي أحد أهم مهام الفترة الانتقالية التي نصّت عليها الوثيقة االدستورية. و رغم ما يُرافق أعمال اللجنة من انتقادات موضوعية و غير موضوعية إلا أن الشعب السوداني يُعوِّل عليها كثيراً لاسترداد ما سُلب منه طيلة الثلاثين عاماً المنصرمة، و فيما تتعرّض اللجنة و أعضاءها لهجمة شرسة من أنصار النظام البائد ترى فيها القوى الثورية أداة الثورة الرئيسية حالياً.
التقينا في (الديمقراطي ) بالقيادي باللجنة الدكتور صلاح منّاع للإجابة على بعض الأسئلة الشاغلة للرأي العام السوداني .
في البدء – حدّثنا عن ميلادك و نشأتك و أهم محطات حياتك ؟
وُلدت بمدينة الخرطوم في العام 1956م و نشأت بها، درست مرحلة الابتدائي و المرحلة المتوسطة بالجنيد، أما المرحلة الثانوية فقد درستها برفاعة، و من ثَم التحقت بجامعة الخرطوم كلية العلوم البيطرية، وسافرت لدراسة الصيدلة بالفلبين، ثم عُدتُ إلى السودان وعملت لفترة مؤقتة ثم هاجرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية و أنشأت أعمالاً تجارية خاصة في (شيكاغو) ثم استقْرَرتُ بالصين حتى العام 2010 و كنت أتنقل حينها ما بين الإمارات و الصين و أندونسيا و إفريقيا و أنشأت أعمالاً تجارية بالسودان إلا أنني أنهيتها في العام 2008م .
و من المحطات المهمة في مسيرة حياتي أنني عملت بمنظمة الكوميسا مستشاراً للأمين العام للمنظمة حتى العام 2014 .
متى كانت بداية دخولك للعمل العام ؟
كبداية كل السودانيين يولدون سياسيين، لأن الواقع يُملي علينا ذلك فالوضع السياسي في السودان منذ الاستقلال خلق شعوراً بالرّغبة لدى أبناء هذا الشعب ببناء وطن معافى – و لكن للأسف لم نُقدم إدارة قادرة على الخروج بالسودان إلى برِّ الامان بالرغم من أننا نمتلك كافة مُقوّمات النهوض الإقتصادي، حيث نمتلك موارد مهولة إلا أننا أهملنا أعظم مورد و هو الإنسان.
حدّثنا عن لجنة تفكيك التمكين و دواعي تكوينها و أُطُرها القانونية ؟
من المهام الأساسية و أولويات حكومة الثورة إزالة التمكين لأنه مالم يتم إزالة جميع التشوهات و الفساد الذي طال جميع قطاعات الدولة لن ينصلح الحال، لذلك كان لابد من تكوين لجنة تعمل على إزالة هذا الفساد و استرداد حقوق المواطن المنهوبة . و قد طالبنا بتكوين هذه اللجنة حتى تمت صياغة قانون يحكم أعمالها و تمت إجازته من قبل مجلس الوزراء ثم من المجلسين، و الآن عمر اللجنة حوالي تسعة أشهر، كما تم تكوين 18 لجنة ولائية.
آلية عمل اللجنة ؟
توجد لجنة عُليا تتكون من 18 عضواً، فيهم خمسة أعضاء ذوو كفاءة و معرفة بالوضع السياسي.. و بقية الأعضاء يمثلون القوات النظامية بمختلف أنواعها، و تمثيلٌ للوزارات مثل وزارة العدل و المالية و وزارة الحكم الاتحادي، بالإضافة إلى تمثيل لديوان المراجع العام و ديوان الخدمة المدنية.
و تتبع لهذه اللجنة ثلاثة عشر لجنة فرعية و هي لجان متخصصة، و هنالك سكرتارية تربط بين اللجان الفرعية واللجنة العليا لإعداد مشاريع القرارات.
كيف يتم اتخاذ القرارات داخل اللجنة؟
تقوم اللجان الفرعية أو اللجان الولائية بتقديم معلومات و توصيات كما أن هنالك ملفات تُقدمها المؤسسات المختلفة و تنظر اللجنة العليا في المعلومات و التوصيات ثم تُحيلها إلى اللجنة القانونية و من بعد التثبُّت من المعلومات و الإطار القانوني تُصدر اللجنة العليا قراراتها بالإجماع و تُعلن عنها .
هل للجنة موظفين ؟
هنالك أكثر من مائتين و خمسين متعاوناً، و لا توجد وظائف ثابتة حتّى الآن باللجنة، بل تعتمد على بعض الشباب المتطوعين و أصحاب الخبرات و المعاشيين .
إلى أين وصلت اللجنة في أعمالها حتى الآن ؟
بالرغم من أن عدد القرارات التي أصدرتها اللجنة قد فاقت ال400 قراراً حتى الآن إلا أننا لازلنا في بداية الطريق و هنالك ملفات معقدة و شائكة نعمل عليها و سنُفصح عنها مستقبلاً مثل ملفات عائدات البترول و ملف استيراد مشتقات البترول و ملف التخلُّص من الفائض.
و قبل أسبوعين تم تكوين لجنة عمل مشتركة مع وزارة المالية برئاسة وزير المالية لاستلام الأصول و إدارتها، وبدأ استلام الصرافات التي كان يمتلكها الأمن الشعبي، و تم تسليم بعض الشركات مثل شركة رام للطاقة و دانفوديو لخدمات البترول .
ما هي أبرز قضية فساد واجهتك؟
أبرز قضية فساد هي قضية عبد الباسط حمزة الذي كان رائداً بجهاز الأمن في العام 1995م و لم يرث ثروة لكن بلغت ثروته لاحقاً أكثر من مليار دولار، و عندما سُئل عن مصدر أمواله لم يستطع الاجابة!
و هنالك نُكتة تُروى من أيام الرئيس المخلوع عندما تعرّف لأول مرة على عبد الباسط حمزة و زاره في مزرعته بالقنطرة فاندهش حتى الرئيس المخلوع من الثراء الفاحش الذي يعيش فيه عبدالباسط حمزة، و سأل عمر البشير مرافقه عبد الرحيم محمد حسين (الزول دا شغّال شنو؟!)
و من الملفات البارزة أيضاً ملف الاتصالات مثل ملف شركة (إم تي إن) التي صدرت رُخصة تشغيلها أيضاً باسم عبدالباسط حمزة و معه الشيخ الأحمر اليمني و آخرين، و تم بيع جزء منها لشركة أريبا و من ثم تم بيعها بمبلغ ضخم جداً لشركة (إم تي إن) و طوال الفترة السابقة ظلت هذه المبالغ الضخمة و امتيازات الترخيص مجهولة.
كما أننا نُجري تحقيقاً حول شركة (موبيتل) التي كانت تدخُل خزينتها يومياً حوالي خمسة مليون دولار، و في السنة دخلها حوالي مليار دولار و بيعت بمليار دولار، أي أن قيمتها الحقيقية لا تقل عن عشرة مليار دولار .
وكل هذه الأموال لم تدخل السودان و تم استثمارها استثماراً صورياً ببعض الرُخص في إفريقيا .
و أيضاً مدينة البشير الطبية التي كان يُديرها شقيق محافظ البنك المركزي أخذت خطاب ضمان من البنك المركزي بمبلغ واحد و أربعة من عشرة مليار دولار، هذا الضمان تم فتحه لشركة تُركية و قد نجحنا في إلغاء هذا الضمان بالتعاون مع إدارة البنك المركزي الجديدة . كما أخذت ضمانات أخرى من وزارة المالية تُقدّر بثلاثة وخمسة من عشرة ترليون و هذا المبلغ قبل أربعة أو خمسة سنوات كان يُعادل أكثر من مائة مليون دولار مقابل إنشاء مدينة البشير الطبية و لم تكن هنالك أي إنشاءات غير الهيكل المبني أمام القيادة العامة!
كم يبلغ عدد الأراضي المستردة من قبل اللجنة حتى الآن ؟
لا أستحضر حالياً الأرقام و لكن هنالك آلاف قطع الأراضي تم استردادها، كما استرددنا حوالي سبعمائة عقار، و هي عقارات ذات قيمة عالية و تقع في مناطق مميزة بالخرطوم، و بعد تكوين لجان الولايات فإننا نتوقع زيادة العقارات خاصة بولايتي الجزيرة و شمال كردفان .
ماذا عن عقارات وداد بابكر ؟
وداد لا تمتلك عقارات باسمها و لكنها تمتلك مزارع و مشاريع و تم استردادها و قد أوكلنا إدارتها لجهاز الضمان الإستثماري .
هل كنت تتوقع وجود عمليات فساد بهذا الحجم ؟
كنا نعلم أن هذه البلاد فيها فساد و لكن ما وجدناه يفوق التوقّعات!
مثلاً في ولاية الخرطوم تم رهن 770 قطعة أرض و عقار و من ضمنها مؤسسات حكومية مثل مبنى وزارة مالية ولاية الخرطوم! كما أن هنالك مدرسة قرآنية مسماة بإسم إبراهيم شمس الدين مديرها يمتلك 90 قطعة أرض بالدرجة الأولى!
و هنالك شخص واحد سنُفصح عنه قريباً يمتلك ثلاثة آلاف قطعة أرض!
هل هنالك محاكمات قانونية تتم لمن يثبت تورطهم في قضايا فساد أم فقط يتم استرداد الأموال أو العقارات دون محاسبة؟
غالبية هذه الملفات أُحيلت إلى قضايا في النيابة، و أعتقد أن استراد الحق العام يجب أن يمر عبر القانون، لأن التحلل الذي كان يُمارس في العهد البائد مرفوض تماماً و سرقة الحق العام جريمة تستوجب العقاب.
قضية تعملون عليها و يمكنها أن تُحدث تغييراً فارقاً ؟
أعتقد أن التسليم الذي يحدث الآن لوزارة المالية سيُحدث تغييراً حقيقياً لأن بموجبه سيتم تسجيل كل العقارات و الأصول و الأرصدة و الممتلكات المستردة لصالح وزارة المالية . كما نجحنا في استرداد مليون فدان من (شركة الزوايا) و حوالي أربعة مليون فدان من مشاريع مختلفة و نعمل على استعادتها في مقبل الايام، و نسعى مع الجهات المختصّة لأن تُخصص هذه المشاريع للشباب، و هنالك خطة مع الولاة الجدد لأن تُخصص 30 ألف فدان لكل ولاية من الأراضي المُستردّة للشباب .
ما هي أبرز التحديات التي تُواجه اللجنة ؟
هنالك إشكاليات كثيرة، منها ضآلة الميزانية التسييرية فاللجنة تعمل بحوالي اثنين مليون شهرياً و منذ ثلاثة أشهر لم نستلم ولا جُنيهاً واحداً.
كما أننا لا نريد أن يُضار العاملون بالشركات و المشاريع التي يتم استردادها و أن يستمر العاملون في أعمالهم و تنجح المشاريع الانتاجية المستردة عبر تكليف إدارات ناجحة.. و سيُعلن قريباً عن فتح باب التقديم لإدارة هذه الشركات بصورة عادلة حتى يتقدم لشَغل الوظائف أفضل الإداريين .
من خلال عملكم باللجنة هل تعرّضتم لأي مُضايقات؟
طبعاً هنالك مضايقات كثيرة ، منها حملات الأكاذيب و التشويه. كما تعرّض بعض أعضاء اللجنة لتهديدات.
و تعرّض عُضوان باللجنة و هما الأستاذان وجدي صالح و بابكر فيصل لمحاولتي تصفية بِفك (صواميل) إطارات سيارتيهما و هما بالطبع عمليتان مدبّرتان.
شخصياً لم أتعرّض لمحاولةٍ شبيهة لكن في إحدى المرات تمت متابعتي بعدد من العربات لكن تم التصدي لهذه العملية بواسطة الحراسة و هرّبت المجموعة التي كانت تُطاردني.
و أعتقد أن لجنة تفكيك التمكين و محاربة الفساد محروسة أولاً من الشعب السوداني لأنها تُشكّل رأس رمح التغيير.