لجنة تفكيك التمكين هي جزء من سياق كامل للفوضى والفشل والعبث باسم الثورة

وجدي صالح عمل مؤتمر صحفي تكلم فيه كثيرا عن لجنة تفكيك التمكين و عملها. خلاصته أنهم يعملون بكل جد و تجرد من أجل الثورة و الشعب و استردوا أموال و أُصول كثيرة، و أن اللجنة تعمل ليل نهار و بدون مقابل يُذكر.
المؤتمر جاء ليدافع عن اللجنة بعد موجة من الانتقادات تعرضت لها طيلة الفترة الماضية، و تضمن الكثير من استدرار الاستعطاف و المزايدة بالثورية و الطهرانية.
يبدو أن وجدي صالح و أعضاء اللجنة لم يفهموا أهم نقطة في النقد الموجه لهذه اللجنة، و هي أنه يتعلق بمنهجية عملها و ليس بإخلاص و ثورية أعضاءها، فمهما كنت ثوريا إذا كنت تعمل بطريقة خاطئة فالنتيجة هي الفساد، النقد ليس بالضرورة أخلاقي و يتعلق بذمة و نزاهة الأفراد؛ الأخطاء المنهجية هي بلاشك أكثر كارثية من الأخطاء الأخلاقية التي يرتكبها أفراد بعينهم.
هذه اللجنة تعمل بصلاحيات شبه مطلقة، و ليست خاضعة لأي شكل من أشكال الرقابة المؤسسية، لأنها فوق الجميع بما في ذلك القضاء نفسه! و ليس هناك أي برلمان أو محكمة عليا أو ما شابه فوقها. هذه هي المشكلة الأساسية منذ البداية.
المزايدة بأنكم ضد الفساد و تريدون تفكيك النظام السابق هي مزايدة فارغة، لأنكم في الواقع تعملون ضد مبادئ أساسية لأي ثورة. ضد الفصل بين السلطات و ضد سيادة القانون، و ضد المؤسسية. تصدرون القرارات و لا أحد يراجعكم و تحاسبون أنفسكم، تقولون بأنكم تصححون أخطاءكم بأنفسكم !
لقد تطلب الأمر قرابة السنة لكي تعترف لجنة التمكين بالفوضى التي ظلت تمارسها لجان فرعية شكلت نفسها بنفسها و ترفع تقارير و تصدر على أساسها قرارات تتعلق بمصائر مواطنين و عوائلهم و مستقبلهم. بعد كل هذه المدة يأتي السيد وجدي صالح ليعتذر اليوم و يقر بهذا الخطأ، و يعلن وقف كل هذه اللجان، و لكنه إذ يفعل ذلك فإنه يريد أن يقول بأن كل الأخطاء التي وقعوا فيها هي بسبب التقارير الخاطئة من تلك اللجان المجهولة و أنهم سيراجعون كل القرارات التي صدرت حتى الآن. يا للهول !
السؤال الذي يفرض نفسه هو ها أنتم اعترفتم بأخطاء اللجان التي تعمل تحتكم، و لكن ماذا عن أخطاءكم أنتم ؟ كيف ستعترفون بها ؟ من يراجعها ؟ هل يجب أن ينتظر الشعب ضغط الرأي العام بعد شهور و ربما سنوات لتأتوا و تعيدوا نفس الاسطوانة: نحن بشر و نخطئ و نعترف و نعتذر لشعبنا و نحن نتقبل النقد ووو. كل هذه المعلومات البديهية هي معروفة لدينا منذ أول يوم شُكلت فيه هذه اللجنة المسيسة و اللامهنية و لهذه الأسباب بالذات لأنكم بشر و في البشر لأنكم من أحزاب سياسية غير مؤهلة و غير مسئولة طالبنا بأن تكون هذه المهمة بواسطة القضاء كسلطة مستقلة يقر بها الجميع و يتحاكم اليها الجميع. أنتم ذبحتم العدالة و تزايدون بالثورة و كأن أهداف الثورة هي شيء آخر غير هذه العدالة !
لجنة تفكيك التمكين هي جزء من سياق كامل للفوضى و الفشل و العبث. باسم الثورة يتم تعطيل إرادة الثورة و إرادة الشعب، و يتم تعطيل القانون فنحن بلا محكمة دستورية، و بلا جهة موثوقة مستقلة يُحتكم اليها. أنتم النيابة و أنتم الخصوم في الوقت نفسه، و أنتم فوق القانون بحيث يُمكنكم اقالة أي قاضي حتى لو كان رئيس القضاء، و التهمة جاهزة طبعا: النظام البائد!
خيانة الثورة تكمن التنكر لمبادئ الثورة، و في التنكر للتعهدات أمام الجماهير و الشعب، و في الأخطاء المنهجية و السياسية التي وقعتم فيها بسبب ضيف أفقكم و فقركم الفكري و السياسي، و في توظيف الثورة لخدمة أجندة حزبية محدودة بعيدة مطالب الشعب. كونك متعصب للثورة و تكره النظام البائد و تمجد الشهداء لا يعني أي شيء بالنسبة للوفاء لأهداف الثورة حقا على أرض الواقع و الممارسة الفعلية. هذا من الناحية الموضوعية و اذا أخذنا كلامك بجدية قد لا تستحقها أساسا.
من ناحية أُخرى، هل تريدنا أن نصدقك بهذه البساطة، نصدق سياسي و بعثي عضو لجنة مكونة من سياسيين و نشطاء و عساكر تجمع في يدها كل السلطات ؟

حليم عباس

Exit mobile version