كمال كرار: صفوف الفقراء .. ودولار الحرامية

صفوف العيش التي تمتد أمام الافران على مدار اليوم ..لا تعني فقط المعاناة التي يكابدها الناس للحصول على الرغيف وهو سلعة ضرورية،لكن تداعيات هذا الصف تمتد إلى جوانب أخرى،فالواقفون بالساعات هم موظفون أو موظفات في أماكن عمل ..وبالتالي فان زمن الصف مخصوم من زمن العمل،وبالتالي من زمن الانتاج،وهذا ينسحب على الناتج المحلي الاجمالي في نهاية العام.
وفوق هذا ..فان كنت من الشغالين على نمط رزق اليوم باليوم ..فان زمن صف العيش يخصم من دخلك اليومي،وبالتالي تتفاقم معاناتك المعيشية،والفقر يولد أمراض سوء التغذية ..والعلاج مستحيل مع تكاليفه الباهظة ..وتؤدي هذه الامور لمشاكل اجتماعية تهدد بقاء الاسرة،وربما ترك الابناء والبنات الدراسة للعمل كيفما اتفق لمجابهة مصاعب الحياة ..
والصفوف نفسها مكان الفقراء وليس الاغنياء الذين يحصلون على الرغيف(التجاري) الفاخر وسعر العيشة ٢٠ جنيه ..وهذا العيش المخصص للاغنياء المتواجد في اماكن التسوق الفارهة .يدل على سياسة خبيثة تقلل يوميا من كميات الدقيق المخصصة لعيش الفقراء لصالح عيش الاغنياء وسمهم الحرامية ان شئت ..حتى الوصول لمحطة لعينة اسمها رفع الدعم عن الخبز ..والماعاجبو يحلق حاجبو ..
وهؤلاء الفقراء الذين كتب عليهم الجوع مكتوب عليهم ان يشتروا كل شئ بسعر الدولار في السوق الاسود ..لكنهم يحصلون على مرتباتهم بقيمة الجنيه السوداني المنهار ..وعندما يشتكي الناس الغلاء ..يقال لهم انتظروا برنامج سلعتي ..ولا نعرف تأويل ياء النسب في نهاية الكلمة ..فهي ليست سلعة الفقير ان كانت باهظة الثمن ..اذن الحاسم السعر ..والذي لا ينخفض حتى الان ..لأن مراقبة الاسعار ممنوعة بأمر الصندوق الدولي ..ولماذا؟ حتى يزدهر العمل الخاص دون عوائق ..
صف العيش صف البنزين والجازولين ..صف الغاز ..مظاهر لازمة سببها إبعاد الدولة قسرا عن استيراد السلع الضرورية ..وقل لي ماذا استفاد الحرامية من ذلك .أقل لك انهم يستوردون البوتجاز بعمولة ٦٤ دولار في الطن ..والطن نفسه بسعر مبالغ فيه،ثم يحاسبون الحكومة بسعر الدولار في السوق الاسود ..وتطبع الحكومة رب رب ..وتعطيهم،ويشترون بها الدولار من السوق الاسود ..ويصدرون الذهب،ويضعون حساباتهم في دبي …ثم تدور الدائرة على المواطن والاقتصاد ..هل عرفنا الان أسباب الانهيار الاقتصادي ؟!!

أ. كمال كرار
١٦ سبتمبر ٢٠٢٠م

Exit mobile version