شهد ديوان الضرائب صراعات داخلية وسجالا كبيرا منذ تولي الحكومة الانتقالية لمقاليد الحكم في البلاد بين الأمين العام لديوان الضرائب ومجموعة من العاملين فيه والتي دفعت بالأمين العام لتقديم استقالته من منصبه.
(السوداني) التقت بالأمين العام المستقيل المهندس فتح الرحمن صالح جاويش للوقوف على المشاكل بالديوان وبيئة العمل ومسببات الاستقالة .
لماذا استقلت من المنصب ؟
ـ أنا استلمت العمل بديوان الضرائب في 24 سبتمبر 2019 وقد قبلت التكليف تلبية لنداء ثورة ديسمبر خدمة للوطن متوقعا دعما وتشجيعا من الحاضنة السياسية لإنفاذ سياسة الدولة وأهدافها وتسنى لي في أول يوم عمل الاجتماع بلجنة تمهيدية لتجمع المهنيين بالديوان وقد استعرض التجمع مطلوبات الثورة من وجهة نظره والتي تركزت على ازالة التمكين وقد أمنت عليها أنا وأوضحت له الخطوط العريضة لمتطلبات تطوير العمل وما سيتم اخضاعه للدراسة والتقييم وفوجئت بعد اسبوعين من التعيين ببيان متداول في الأسافير باسم ذات المجموعة يطالب بإقالتي من المنصب لعدم الأهلية وعدم استشارتهم في اختيار الأمين العام وضرورة أن يشغل المنصب شخصا من داخل الديوان .
وقد طالبت نقابة العاملين المعتمدة بالديوان الاجتماع معي ووافقت وتطرق لمطالب نقابية بحتة تصب في صالح العاملين الا أن ذلك أثار حفيظة اللجنة التمهيدية مما حدا بها تقديم كشفين للتنقلات احدهما بدعوى انه كان تعسفيا اصدره الأمين العام السابق وقد رضخت لمطالبهم عند تحققي من تزامن تأريخ صدوره مع أيام الحراك الثوري ومن الغريب أن بعضا ممن شملهم هذا الكشف قد اتاني محتجا أن نقلهم لم يكن تعسفيا بل كان توفيقا لأوضاعهم، اما الكشف الثاني والذي كان يحوي حوالى (80) موظفا فقد كان حسب دعواهم انهم كيزان ويجب تحريكهم من مواقعهم إلى مواقع اخرى وذلك دون طرح رؤى محددة ودراسة أثر ذلك على مواقع العمل سواء المنقولين منها أو اليها وقد تم تنفيذه بعد دراسته مع مراعاة مصلحة العمل ولوائح الخدمة فيما يتعلق بالدرجات الوظيفية وقد اثبت بعضهم ضعف الأداء في المواقع التي نقلوا اليها.
بيئة العمل بشكل عام بديوان الضرائب غير مشجعة وليس هنالك أمل في إصلاحها في ظل الوضع الراهن المليء بالصراعات والاستقطاب السياسي الحاد والذي لا يعتمد بالطبع التغيير المنشود ضمن أجنداته ولا يأبه بالمؤسسية والامتثال للقوانين السارية وينأى عن تحقيق أهداف ورسالة الديوان، واضعا المتاريس المعيقة لمسيرة أي تغيير مما أثر سلبا على سلوك العاملين وغياب المؤسسية والانضباط في ظل ضعف قوانين المحاسبة وتعقد اجراءاتها مما اضطرني للاستقالة من المنصب والتي قبلتها الحكومة أخيرا .
ــ هل تعتقد أن ما حدث كان حملة منظمة ضدك ؟
ــ نعم والشاهد الوقفات الاحتجاجية المتكررة والبيانات المنشورة في الأسافير ووسائل الاعلام والتي صارت تترى منذ ذلك الوقت ومن ذات المجموعة ومجموعات اخرى تنشق عنها وباتهامات وشعارات تشمل مداهنة الكيزان وعدم الثورية والاهلية للوظيفة والمطالبة بالاقالة وللأسف فقد درج بعضهم على مخالفة التوجيهات في محيط العمل كعدم تنفيذ التنقلات وعدم الاستجابة للقرارات القاضية بمحاسبة المخالفين للوائح الخدمة المدنية بتحد صارخ للأمين العام وتسريب القرارات الادارية لوسائط التواصل الاجتماعي بغرض النقد والتحريض وصارت اجتماعاتهم تعقد خلال ساعات العمل والتجمعات والوقفات تتم باستخدام المركبات المخصصة للعمل و التحريض على الوقفات الاحتجاجية ورفع المذكرات للجهات العليا والدعوة للاضراب عن العمل .
ـ كيف ترى البيئة السياسية داخل الديوان ؟
ــ البيئة السياسية بالديوان تقوم على فريقين لا يحظى اي منهما على اغلبية مطلقة من القاعدة العريضة اذ هذه صامتة لا هوى سياسي لها وان كان بعض افرادها يجامل احيانا في مشاركة الآخرين في بعض المواقف احدى الفئتين يسارية وهذه اعلى صوتا وتنظيما وتمويلا وتتصدر كافة مواقف المعارضة وتشمل مجموعات بأسماء مختلفة كحارسات الثورة وكانت لهم وقفة احتجاجية امام الديوان في فبراير واعلان اضراب في 17 و 18 مارس الماضي .
وللأسف هذه المجموعة تتضامن مع مركزية تجمع المهنيين وكلتا المجموعتين تشارك في اللجنة التمهيدية لتجمع مهنيي الضرائب ولكن تختلفان بشدة حول اسلوب المعارضة للقرارات الادارية لدرجة المفاصلة احيانا .
أما الفئة الثانية فأكثر اعتدالا ولا تشارك الفئة الأخرى العداء للأمين العام وتحظى بعدد أكبر نسبيا من المناصرين لهم وسط القواعد ويتلخص صراع المجموعتين حول قيادة العمل النقابي في الديوان في مقبل الأيام كما تنزعان لممارسة نفس نهج النظام السابق في تسيير ادارة الديوان العليا والتأثير عليها .
ــ ما حجة المطالبين بإقالتك من المنصب ؟
اليساريون كانوا يتحججون لإقالتي بعدم اضطلاعي بإزالة التمكين وتحسين شروط الخدمة ومحاربة الفساد
ولماذا لم تنفذ هذه المطلوبات ؟
ـ لقد تم تنفيذ هذه المطلوبات منذ سبتمبر 2019م حيث تم نقل الكيزان من المواقع الحساسة وهو الحق الوحيد المتاح في ظل قانون الخدمة المدنية كما تم تكوين لجنة ممن ينتمون للحرية والتغيير بالديوان لفحص ملفات العاملين وفقا لمعايير قانون إزالة التمكين تمهيدا لتقديم القوائم للجنة القومية المعنية ولكن تم ابلاغنا عبر أحد أعضائها ويدعى أحمد ربيع بأن ذلك ليس من شأننا وسيتم تكوين مثل هذه اللجان بواسطتهم كلجنة ازالة التمكين ولا يزال الأمر في الانتظار .
وحول تحسين شروط الخدمة فلا يخفى على أحد أن ذلك يتم في الاطار العام للخدمة المدنية وقد تم توضيحنا للوضع المزري للأجور في ظل التضخم المتصاعد وذلك في اطار اعداد موازنة العام 2020م والكل يعلم ما أحاط بمقترح زيادة الأجور عند اجازة الموازنة .
هل رصدتم حالات فساد في الديوان ؟
ــ الفساد موجود ولا ينحصر في دافعي الضرائب فقط بل يشمل بعض المتواطئين معهم داخل ديوان الضرائب وقد طالبنا اللجنة التمهيدية لتجمع المهنيين بالديوان بمدنا بملفات فساد تتعلق بالعمل الضريبي من واقع بيانات يمتلكونها بحكم مواقعهم الوظيفية ولكن ذلك لم يحدث البتة.
وقد كونت فرقا للمراجعة ومحاربة الفساد والتهرب الضريبي لذات الغرض وتم رفدها بالعديد من الملفات وتعمل الآن وفي انتظار نتائجها وإن كان هنالك ما يعيق عملها فهم ممن ينتمون لذات الفئة المعارضة وذلك بالتخذيل وعدم التعاون في توفير المعلومات.
وقد ظل العديد من المديرين العامين بالديوان يخالفون القرار الوزاري بعدم استخدام العربات الحكومية للذين سبق تمليكهم عربات دولة وبأسعار بخسة وبأقساط ميسرة ولما تم التوجيه بوجوب الامتثال لذلك القرار حفاظا على المال العام ووجه هذا التوجيه بالمعارضة وعدم الامتثال إلى يومنا هذا ولم يحل دون انفاذه الا ضعف قوانين الخدمة المدنية في المحاسبة واتفاق المديرين على عدم الامتثال؛ مستفيدين من هذا الضعف وبالطبع تتكون لجان التحقيق والمحاسبة من المديرين بالديوان وفقا للوائح اجراءات المحاسبة وكثيرا ما يتم تضليل الأمين العام بتقارير كاذبة حتى من وحدة الشؤون الادارية حول مدى تنفيذ قراراته ويفاجأ بمحض الصدفة بعدم تنفيذها وذلك لاتفاق المديرين بالديوان على عدم التنفيذ لما هو ضد مصالحهم الشخصية.
وقد استمر المديرون العامون بتأليب العاملين بإيهامهم بأن وزارة المالية أجازت حوافز مالية ولكن الأمين العام حجبها عنهم. وكما يعلم الجميع فأن موازنة 2020م لم تشمل زيادات في مخصصات وحقوق العاملين وفق الأسس التي اعتمدت لاجازتها.
ــ هل لقيادات النظام البائد برئاسة عمر البشير وجود في الديوان حاليا؟
ــ حاليا .. ليس لديه فروع مؤثرة على العمل، والعمل الضريبي يتم عبر مراحل ويشارك فيها كل تنفيذيي الديوان وليس قصرا على فئة دون أخرى الا أن هذا لا ينفي وجود الفساد في مرحلة أو أكثر.
ــ إحصائيات رقمية حول حالات الفساد والتهرب الضريبي ؟
ــ للأسف لا يمكنني ذلك لأن ذلك يتطلب العودة للمكتب وذلك غير متاح حاليا لمغادرتي للمنصب .
ـ ماذا فعلتم لتحسين شروط الخدمة ؟
ـ قمنا بانشاء الجهاز القومي للإيرادات والذي يضم كافة الادارات الايرادية بالدولة كجهاز مستقل في مخصصاته وامتيازاته ويخضع لقانون خاص وقد ترأست اللجنة المكونة لانشائه بأمر وزاري وقد رفعت اللجنة توصياتها مؤخرا لوزير المالية.
ـ هل تمت اعادة هيكلة الديوان ليواكب المستجدات ؟
ـ اللوائح تقتضي مشاركة ديوان شؤون الخدمة في ذلك وهذا ما تم بالفعل منذ وقت مبكر وفي انتظار الاستجابة وتم كذلك الاستعانة بفريق من البنك الدولي لإعادة الهيكلة ودراسة المقترحات معه وقد وضعنا تصورا ابتدائيا والأمر لا يزال قيد الدراسة لأن اعادة الهيكلة تشمل تنظيم كافة المهام والاجراءات الضريبية في المراكز والولايات ومن ثم تحديد الوظائف وتوصيفها وتعديل الهيكل الوظيفي علما بعدم وجود وصف وظيفي الآن إلا بالديوان وبالطبع لا يوجد مسار وظيفي ولا خطة للتدريب تحقق التعاقب لضمان استمرارية كفاءة العمل.
وماذا عن حقوق العاملين …؟
يتلقون خدمات العلاج بالاضافة لمشروع شوامخ فقد تم تأمين العلاج لـ(48) الف عامل وأسرهم ودعم العلاج بالخارج الأمر الذي لا يتوفر بالعديد من مؤسسات الدولة وقد رصدنا لذلك مبلغ (280) مليون جنيه في موازنة العام 2020م
ــ هل قمتم بتقديم حوافز لهم ؟
كل العاملين تلقوا حوافز اضافية لمرتباتهم بصرف مرتب (3) أشهر ونصف اجمالي في يناير و(4) أشهر اجمالي في فبراير من هذا العام وذلك كحافز أداء مكتبي وقد كان (3) أشهر فقط في العام السابق وتبقى حافز تميز شهري وفق ما درجت عليه العادة منذ حوالى العام والنصف، رأينا أن توضع له معايير لقياس الأداء لتمييز من يساهمون بالفعل في تحقيق أهداف المؤسسة .
لماذا لم تعالجوا مشكلة الترهل الوظيفي الكبير ؟
نعم هنالك ترهل كبير جدا وتبلغ القوى العاملة (9,200) موزعين على (319) مكتب و(18) ولاية من يساهمون في تسيير دولاب العمل منهم لا تتجاوز نسبتهم (40)%، كما أن متوسط الأعمار بالديوان يبلغ حوالى (52) عاما ولم يستوعب الديوان خريجين جددا منذ (8) أعوام مما تسبب في تكدس الوظائف العليا في أعلى الهرم خاصة بعد زيادة سن التقاعد لـ(65) عاما، فأصبح هرم الديوان مقلوبا فضلا عن أن هناك حوالى (72) من شاغلي الوظائف العليا سيتقاعدون خلال العامين الحالي والمقبل وإذا قرنا ذلك بعدم تنوع التدريب والفراغ الهيكلي فهنالك تحد حقيقي في توفير قياديين مؤهلين في الديوان اضافة إلى أن نسبة النساء تتجاوز نصف القوى العاملة مما يحد من نقلهم للعمل بالأقاليم.
ــ معوقات العمل بالديوان ؟
ـ الديوان يحتاج لجهد كبير لتنظيمه وتطويره من حيث الهيكل التنظيمي والتأهيل واجراءات العمل، فضلا عن تسبب تدني الأجور في حفز العاملين وتحصينهم ضد الفساد وهم بحكم عملهم من أكثر الفئات عرضة له، فضلا عن تسبب انعدام التدريب المخطط في عدم تحقيق المسارات الوظيفية المطلوبة ويحد من التخطيط للتعاقب والترقي والتنقل بين المواقع الوظيفية المختلفة .
كما يتطلب الترهل الوظيفي الكبير ضرورة المعالجة والتي لا تتيحها قوانين الخدمة المدنية، كما أن تشرذم العاملين وفق انتماءاتهم السياسية لا يوفر بيئة صالحة لنشاط نقابي ينأى عن التصارع وضياع وقت العمل فيما لا يجدي نفعا ما يقعد بكفاءة الأداء ويضر بالعمل، بجانب غياب الدور الفاعل للحاضنة السياسية في المستوى المركزي ( قحت وعلى وجه الخصوص تجمع المهنيين ) في توعية القواعد للتوحد نحو تحقيق أهداف الثورة العليا وكان ذلك سيكون أجدى بدلا عن الدور السالب الذي تقوم به الآن والمتمثل في التضامن والمؤازرة العمياء لقلة قليلة عند الوقفات الاحتجاجية ودون استقصاء الحقائق والعمل على حماية أفرادها وتحصينهم حتى من النقل لمواقع عمل خارج الخرطوم بدعوى عضويتهم في اللجنة التمهيدية لتجمع المهنيين والتي يرون وجوب التضامن معها بحكم انتمائها لقواعدها التي ترتضي نهجها، ودون أدنى مراعاة للغالبية العظمى من العاملين ومصلحة العمل، وكل هذه العوامل المذكورة لا تترك للأمين العام الوقت الكافي للتركيز في العمل المهني الضريبي وهذا ينتقص بالطبع من مهمته في تطوير العمل بالديوان وتحقيق أهدافه بالكفاءة والفاعلية المطلوبتين .
أين الديوان من التغيير الذي تدعوا له الثورة ؟
من البديهي أن الديوان بحاجة إلى التغيير اضافة للبيئة الداعمة التي تدفع العاملين للإيمان بحتميته والتعاضد في تحقيقه وتقديم متطلباته على منافعهم الشخصية وأغراضهم السياسية ووجود قوانين مساندة لأن التغيير من أهدافه تنقية وتطهير وتطوير وترقية الأداء في أهم المرافق الايرادية للدولة، ولكن المفهوم الخاطئ للحرية وضعف القوانين كما أسلفت سمحا بتكوين كيانات تحتمي بالشعارات الثورية ولكن في واقعها تحمي مصالحها الشخصية، وهذا ما نعده عائقا للتغيير الثوري المنشود.
حوار: هالة حمزة
صحيفة السوداني