* لا شك أنها خطوة إيجابية أن يجتمع رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة الفريق أول (عبد الفتاح البرهان) مع وزيرة المالية المكلفة (هبة محمد علي) لبحث كيفية انتفاع الدولة بشركات واموال القوات المسلحة، رغم أن الموضوع لم يكن بحاجة الى اجتماع ولكن الى قرار بضم شركات القوات المسلحة والقوات النظامية الاخرى الى الدولة ممثلة في وزارة المالية، فالمفروض أن تكون كل شركات وأموال القطاع العام بما في ذلك كل القوات النظامية تحت سلطة وإشراف وزارة المالية بالطريقة التي يحددها القانون، وان تخضع حساباتها لديوان المراجع العام، خاصة أنها شركات ضخمة جدا ولديها استثمارات وأموال ضخمة جدا!
* يكفى دليلا على ضخامة هذه الشركات واستثماراتها وأموالها، استعانة القوات المسلحة في العام الماضي (2019 ) بثلاثين ضابطا من القطاع المالي لتقييم شركة (زادنا)، وأعطت كل واحد منهم بعد الانتهاء من أعمال التقييم حافزا قدره مليار جنيه (مليون جنيه قديم) وعربة نيسان جديدة، فإذا كان حافز تقييم الشركة يبلغ 30 مليون جنيه و30 عربة نيسان جديدة، فكم تبلغ قيمة شركة زادنا وحدها دعك من بقية الشركات؟!
* ودليل آخر، ان مشروع (زادي ون) الذى يتبع للشركة يملك مشروعا زراعيا في الولاية الشمالية (شرق بربر) تبلغ مساحته اكثر من مليون فدان، وتقدر قيمته بحوالي 4 مليار دولار أمريكي، ولقد بلغت تكلفة أعمال شبكات الري التي تمتد على مسافة 176 كيلومتر حوالي ستمائة وثمانين ألف دولار (680 ألف دولار) أي أكثر من نصف مليون دولار، والمشروع مقسم الى حوالى (3 آلاف) محور) زراعي أكتمل منها 1650 محور تبلغ مساحة الواحد 150 فدان، معروضة للبيع بمبلغ (300 ألف دولار) للمحور الواحد، أي أن إجمالي قيمة المحاور الجاهزة يبلغ (525 مليون دولار)، ولقد تم بيع (150 ) محور بمبلغ 13 مليون دولار (لم تُسدد كلها) بمبلغ اقل من السعر المعلن بـ 40 % ، لاحد رجال الاعمال السودانيين، يزعم البعض انه شريك او وكيل لرجال اعمال خليجيين !
* أقيم المشروع بقروض مصرفية بضمان وزارة المالية، أي انها الضامن للمشروع والتي ستتولى تسديد القروض في حالة فشل الشركة في السداد، فهل يجوز ان تكون الوزارة الضامن الذي سيتولى سداد القروض في حال فشل الشركة بدون ان يكون لها حق الولاية المالية عليه؟!
* أخطر ما في الامر أن المشروع يستخدم طريقة الري المحوري من المياه الجوفية التي تكونت عبر ملايين السنوات وتمنع معظم دول العالم استخدامها الا في حالات الضرورة القصوى (حياة أو موت)، لأنها معرضة للنضوب، وإذا نضبت فلن تعود، كما أن طريقة الري المحوري تستهلك كميات ضخمة من الماء لضياع نسبة كبيرة من الماء بواسطة التبخر، وكان من الأجدى حفر ترع واستخدام مياه النيل التي تذهب حصتنا منها كل عام هدية مجانية لمصر بدون مقابل!
* وعلى ذكر مصر .. هنالك سؤال، لماذا يقام مسلخ سوداني ضخم تابع للقوات النظامية في منطقة اشكيت بجمهورية مصر بدلا عن اقامته في السودان، والاستفادة من تصنيع المخلفات وتصديرها مما يعطى قيمة اضافية كبيرة للحوم المذبوحة، بدلا عن تصدير الحيوانات الحية الى مصر لتستفيد من المخلفات بالإضافة الى الضرائب والرسوم ..إلخ؟
* دليل ثالث، مشروع أبو حمد لإنتاج القمح والاعلاف، وهو قديم نسبيا، أنشئ في عام 2005 في مساحة قدرها 30 الف فدان، بلغت تكلفة الطلمبات والاعمال الميكانيكية حوالى 32 مليون دولار، بينما بلغت تكلفة اعمال الارض (القنوات والبوابات ..إلخ) حوالى 30 مليون دولار، وهو مؤجر لاحد رجال الاعمال السودانيين بأقل من القيمة الفعلية، فلماذا، ولماذا لا يكون تابعا لوزارة المالية وحكومة السودان؟!
* هذا غيض من فيض .. وهو نموذج فقط لضخامة شركات واموال القوات النظامية، وبعد كل هذا فإن وزارة المالية هي التي تتولى دفع المرتبات، بل تطبع كميات ضخمة من العملة بدون غطاء بغرض الإيفاء بالتزاماتها المالية، مما فاقم حالة الانهيار الاقتصادي على حساب الجنيه والاقتصاد السوداني والمواطن المسكين ، بالإضافة الى عدم ايفاء المنظومة العسكرية بالوعد الذى قطعته بدعم ميزانية 2020 بمبلغ 2 مليون دولار لم تدفع منها دولارا واحدا، فلماذا يحدث هذا ولمصلحة من، إلا إذا كانت القوات النظامية تابعة لدولة أخرى غيرالسودان!
الجريدة
زهير السراج