اساطير سامة حول الطفيلية – دفاعا عن الرأسمالية:
لفهم قضية التضخم لاحظ ان أي سعر يحدده العرض والطلب. التضخم يحدث من ازدياد في الطلب لا تقابله زيادة في العرض. زيادة العرض تقلل التضخم وقلته تفع العكس. وكذلك ارتفاع الطلب يرفع الأسعار والعكس صحيح.
طباعة الفلوس تزيد الطلب لان المطبوع منها ينزل السوق وهكذا يرتفع التضخم.
شركات الأمن والجيش والجنجويد لا تأثير مباشر لها علي التضخم. وبما انها شركات إنتاجية فمن الممكن أن تحد من التضخم لأنها ترفع عرض السلع والخدمات. ولكن من الممكن ان يكون لها اثر تضخمي سلبي عن طريق عجز الموازنة. لشرح النقطة, لو كانت أرباح هذه الشركات تذهب للحكومة, سيقل لجوء الحكومة لتمويل عجزها عن طريق طباعة النقود وبذا يقل الطلب الكلي وتنخفض معدلات التضخم أذا صاحب ذلك نقصان الطلب من قبل الجيش والامن والجنجويد .
علاقة الإنتاج بالتضخم أيضا بسيطة، كل ما زاد الإنتاج , زاد المعروض وقل السعر والعكس صحيح. أما لو تغير العرض والطلب معا ,فان صافي التأثير علي الأسعار يعتمد علي نسبية معدل الزيادة في هذين المتغيرين.
التضخم الذي يشهده السودان ليس سببه ضعف الإنتاج لأن الانتاج لا يضعف بصورة يومية بهذه المعدلات الفلكية. اذا كل هذه الضغوط التضخمية تأتي من جانب الطلب ولا شيء يغير الطلب بهذه المعدلات المشهودة غير طبع العملة وضخها في السوق بصورة راتبة.
تفسير التضخم بجشع المضاربين والتجار خليط من الهروب أو الجهل. المضاربون موجودون في كل دول العالم ويتمتعون بأوضاع قانونية في معظمها والعملات الأجنبية حول العالم تباع في الصرافات والكناتين ولم يهدد ذلك استقرار عملات الدول التي يحدث فيها ذلك. مشكلة التضخم وسعر الصرف جذورها في سياسات الدولة الترقيعية التي تخلق فرص استرباح وهذه المشكلة تحل بإعادة النظر في طبيعة السياسات التي تخلق مثل هذه الفرص لا بالمناشدات الأخلاقية ولا بالقبضة الأمنية وحدها.
شيطنة التجار والرأسمالية كشماعة تعلق عليها الحكومة أوزارها مسار خطر على ما تبقي من الوطن لأنه يلقي باللوم في غير مكانه ويتستر على طبيعة المشكلة ويتستر علي من ارتكبها وتسبب فيها. من الواضح أن أهل الحكم يلقون باللوم علي جشع التجار والمضاربين للتغطية على حقيقة أن سياساتهم هي اهم أسباب المشكلة.
وتزداد الأمور خطرا لان خطاب شيطنة التجار بغير وجه حق توسع ليشمل الرأسمالية المنتجة بما في ذلك ابرز الشركات مثل دال وشركات الاتصالات. هذه الشركات تقدم خدمات هامة ورخيصة في بيئة اقتصادية وقانونية متردية وتوفر فرص عمل هامة لآلاف المواطنين. وأيضا معظم التجار يقومون بأعمال توسط لا غني لمجتمع عنها ويوفرون السلع من أماكن الإنتاج الِي أماكن الاستهلاك وبذا يقدمون مساهمة غاية الأهمية للمجتمع. ولو لا إسهامات التجار لاضطر ساكن الديم عندما يصحو الِي الذهاب الِي سوبا لشراء الطماطم من المنتج مباشرة وبعد ذلك يذهب الِي الكدرو ليحصل على اللبن من داخل المزرعة ومنها الِي القماير لشيء من الدكوة وبعد ذلك الِي الفكي هاشم لجلب الليمون من الجنينة.
وكل هذا لا ينفي وجود طفيلية ومضاربين ولكن اسهامهم في انتاج الازمة ضعيف وهم على كل حال عرض من أعراض مشكلة السياسات العامة وليسوا سبب كما انهم في الغالب يعملون تحت حماية نافذون في جهاز الدولة يقتسمون معهم الغنائم. ولكن الخطاب العشوائي، عن جهل أو عن تنصل من المسؤولية, لا يميز بين ما هو طفيلي وما هو رأسمالية منتجة او تجار يلعبون دورا هاما في إعادة إنتاج دورة الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
كما قلنا فان طفيلية السوق قضية ثانوية , أو عرض, ولكن المسكوت عنه هو أن اسوأ الشرائح الطفيلية وأكثرها ضررا هي الفئات العليا من البيروقراطية المدنية والعسكرية والتي سوف تنضم لها, باسم السلام, قيادات حركات مسلحة. وما عليك الا ان تنظر للامتيازات المتضخمة لقادة الدولة , والسيارات الفارهة التي لا يستطيع ان يركبها وزراء أصدقاءنا المانحين وان تتذكر المليارات التي كانت علي وشك ان تصرف في استيراد المزيد من الفارهات لولا يقظة الصحافة السودانية ولا تنسي ذلك القاضي الذي يخدمه ثلاثة طباخين علي حساب الدولة وهلم جرا. ومع إدراكي لانعدام العدالة الموجود في الحمض النووي للرأسمالية الذي تطرقت له كثيرا, الا أنني أعرف ما قدمه محمد العريبي القادم من الفعج, صاحب الدكان, الِي الحي الذي يعمل به واعرف عن آلاف السلع والوظائف التي وفرتها دال لابناء الشعب وهذا يبرر ولو جزئيا ما حاز عليه رجل الفعج والداؤوديين من نعمة , ولكني لا اعرف مساهمات تبرر ما يحصل عليه معظم الجالسين على هرم الدولة من دواب سريعة ودور وسيعة وخدم وحشم. باختصار المشكلة الأعظم تتمثل في طفيلية الدولة ومؤسساتها الخراجية ان شئنا ان نسمي الاشياء باسمائها .
خطاب إدانة الطفيلية وشيطنة التجار والرأسمالية خطر مسموم علي مستقبل البلاد لأنه يعمم علي لاعبين منتجين ومفيدين اجتماعيا ويسكت عن طفيلية الدولة الأكثر تدميرا. للأسف اليسار الكليشيهاتي متورط حتى النخاع في إنتاج هذا الخطاب السمي ، بما في ذلك من تقول كتبهم المقدسة بان الاقتصاد محرك التاريخ ولكنهم تقاعدوا عن استيعاب تعقيداته حتى الآن واكتفوا بما علم بالضرورة من الديالكتيك والرسالة الخالدة. وتنتقل جزافيات اليسار اللاهوتي الباحث عن شيطان الِي أبواق الخطاب الشعبوي الباحث عن إجابة تفسر بؤسه وعن مصب يطرش عليه جام إحباطه المتراكم.
معتصم أقرع