بعد رحلة بحث عن دواء لم أعثر عليه في شارع الحوادث، جلست قبالة مستشفى فضيل وطلبت كباية قهوة، كانت هنالك مجموعة من الأهالي تتحلق حول المكان، خرج عليهم من يخبرهم بأن الطبيب حدد التكلفة وموعد العملية، كانت ردة فعل أحدهم ” حسبنا الله ونعم الوكيل” انقطع فاصل من الصمت المثير، بعدها تجاذبوا أطراف الحديث الموجع، تساءل أولهم : “أها الدبارة شنو؟” أشارت بنت كانت تجلس في سجادة من البلاستيك ويبدو عليها الأرق ” أضربوا لأخوي كلموه” قال لها شخص كان يتحرك من مكان إلى أخر ” أخوك ما قصر رسل ألفين ريال، أخر ما عنده، كان نازل بيهم السودان، ولغى الجية” .
تواصل حديث هامس بينهم، رن هاتف الرجل ذو اللحية المصبوغة، أغلق الهاتف بعبارة ” من وين؟ البضاعة كل مرة بي سعر، السوق وقف” مد شيخ مسن يقوده طفل ممزق الملابس روشتة دواء، يبدو أنه مريض وعاجز” لم يعره أحد اهتماما” هبط شخص من سيارة وعاجلوه بالسؤال عن قريب لهم ” قال أنه زاره في السجن، وهنالك مجهودات لتقسيط المبلغ والإفراج عنه” صبي الورنيش غمر الأحذية المتاحة بالدهان اللامع، أخذ نصيبه برضاء وغادر، جاءت سيرة شخص يسمى تاج السر، قالوا أن الفيضان ابتلع منزله، ما اضطره لأخذ أسرته للجبل، كانت أكثر الأسئلة تعلقاً بالحيرة ” هسه مع مواد البناء الغالية دي الجماعة ديل حا يبنوا بيوتهم كيف؟” تحدثوا عن الإغاثة والتبرعات الخارجية، أجمعوا على انها لن تصل إلى المتضررين. انتقل النقاش للتعليق على إجراءات الطوارئ وحماية الاقتصاد، قال أحدهم ايضاً ” دا لعب ساي علي بالطلاق الجماعة شغالين ولا هماهم” رد عليه سائق تاكسي كان يتأبط جريدة ورقية ” الحكومة سبب الزيادات الأخيرة” تساءل شاب في مقتبل العمر ” هى وينها الحكومة؟” لم يجبه أحد!.
علق ثالث: ” البحصل دا غضب من الله، ياخ كيس السلطة الخضراء فيها تلاتة طماطمات وعجورة وبصلة بقى بتلتمائة جنيه” . مرت سيارة اسعاف بالقرب منهم، الصقت مؤخرتها بمدخل المستشفى، وتم اخراج مريض من جوفها وهو يئن. أعاد أخر يبدو أنه مهتم بالزراعة النقاش إلى ما يؤرقه؛ الخريف السنة دي شال الجروف كلها، لا طماطم لا بصل لا موز” ومضى كمن يحدث نفسه ” غايتو الزارعين بعيد من البحر حظهم” رد عليه سائق التاكسي” يا زول المزارعين ديل مساكين، تعبهم وشقاهم كله بمشي للسماسرة والحرامية الكبار” قال الرجل ذو اللحية المصبوغة بنبرة مروعة ” ماشين على مجاعة وقحط وفوضى” .. اكتفت ست الشاي من وراء بخار الكفاتيرة بالقول ” سجمنا”. أعاد الشخص الأول الحديث إلى تساؤله الذي لم يجب عليه أحد ” أها الدبارة شنو؟”.
بقلم
عزمي عبد الرازق