أمات طه!!
* ما الحكمة في إبقاء وزارة المالية بكل أهميتها وتأثيرها وحتى رمزيتها تحت ولاية وزير مُكّلف، بعد أن وصل الاقتصاد السوداني مرحلة الانهيار الشامل، نتيجةً للأداء البائس للحكومة الانتقالية في مجملها، ووزراء القطاع الاقتصادي على وجه التحديد؟
* الحديث نفسه ينطبق على وزارة الصحة، التي يقودها وزير مُكلَّف في عز أزمة الكورونا، ووزارة الزراعة، الخالية من وزيرٍ أصيل في خضم الموسم الزراعي الصيفي المهدد بالفشل، ووزارة النقل، التي يقودها وزير مُكلَّف بعد أن جرفت السيول والفيضانات معظم الطرق القومية، وشكا المصدرون والمستوردون مُر الشكوى من ضعف وبطء خدمات ميناء بورتسودان؟
* لو اقترن سوء الأداء بفضيلة الصمت لهان الأمر، ولما تفاقمت الأزمة الاقتصادية لتصل بِنَا حدود الانهيار الشامل.
* التصريحات السالبة والمتهورة والمحبطة التي يدلي بها بعض مسئولي الحكومة بلا تبصُّر، وبلا تفكير في عواقبها الوخيمة تفاقم الأوضاع، وتسرِّع وتيرة الانهيار الاقتصادي، بل إنها تصبُّ مباشرةً في حساب تُجَّار العُملة، لتنعكس سلباً على قيمة جنيهٍ تضمحل قوته المحدودة كل ساعة.
* مثال على ذلك السؤال التبريري الذي أطلقه د. حمدوك في برنامج مؤتمر إذاعي، (نجيب ملياري دولار لاستيراد الوقود والقمح من وين؟)، وحديث وزيرة المالية المكلفة عن أن مرتبها لا يكفيها، واعتذارها للقوات النظامية عن تأخير المرتبات، وقبل ذلك حديثها عن زيادة سعر الدولار الجمركي والسعر الرسمي للدولار من (55) إلى (120) جنيهاً في الموازنة المعدلة، التي دخلت جحر ضبٍ لم تفارقه حتى اللحظة.
* تلك التصريحات السيئة تمثل إشهار إفلاس للحكومة، وتشيع الذعر في الأسواق، وتدفع تُجار العملات الأجنبية إلى زيادة أسعارها من فورهم، مثلما تجعل كل من يمتلك مدخرات أو فوائض بالعملة الوطنية يسارع لتحويلها إلى دولار أو ذهب، خوفاً عليها من اضمحلال القيمة.
* لا بتعرفوا تشتغلوا.. لا بتعرفوا تتكلموا؟
* خلال الأيام الماضية ارتفع سعر الدولار بنسبة (180 %) ليصل (270) جنيهاً، فشاع الذعر وتوقفت حركة البيع في الأسواق، تبعاً لعجز التجار عن تسعير بضائعهم، مثلما ارتفع سعر جرام الذهب من (11) ألفاً إلى أكثر من (15) ألفا في ظرف ثلاثة أيام.
* في شهر أبريل الماضي نشر الدكتور قاسم الفكي علي، مؤسس علم الاقتصاد التطبيقي في جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا بحثاً قيِّماً، عن الأجور وتكلفة المعيشة في السودان، حذَّر فيه الحكومة من الإقدام على حماقة زيادة أجور موظفي الدولة، وحوت الدراسة رصداً دقيقاً لمعدلات التصاعد في أسعار (20) سلعة رئيسية خلال السنوات الثماني الأخيرة، وكشفت عن أرقام صادمة، حيث أوضحت أن واحدة من تلك السلع _ زيت الفول_ تضاعف سعرها بنسبة (16000 %)، بينما بلغت نسبة الزيادة في السكر (9000 %)، ولحم الضان (5500 %)، والسمك (10000 %) خلال ثماني سنوات فقط.
* خلصت الدراسة المتميزة إلى أن المعالجات النقدية بكيفياتها المتعددة من رفع للدعم عن السلع، والدعم النقدي المباشر بزيادة الأجور، والتمويل بالعجز (الطباعة)، ستكون بمثابة صب الزيت على النار، لتسريع الاحتراق والتعجيل بانهيار الاقتصاد، وهو ذات ما حذَّر منه محللون وصحافيون نبهوا الحكومة إلى مخاطر تنفيذ روشتة صندوق النقد الدولي القاسية العقيمة، فلم تستبن النصح إلا ضُحى الانهيار الشامل.
* لم نرَ أي كفاءةً في إدارة الاقتصاد وعموم شئون الدولة لحكومة الكفاءات، بقدر ما تابعنا عناداً مهلكاً، وتمسكاً غريباً بسياساتٍ وقراراتٍ خاطئة، أدخلت البلاد نفقاً يصعب الخروج منه، بل هددت سلمها الاجتماعي، بشيوع الغلاء، وانتشار الفقر، والانهيار الشامل لقيمة الجنيه، والعجز الكامل عن توفير الحد الأدنى من سبل العيش الكريم للمواطنين.. والمصيبة أن وتيرة الانهيار متسارعة بسرعة الصاروخ.
* انتظرنا منهم أن يوقفوا مسلسل التدهور الاقتصادي إن لم يحسنوا الأحوال، فكانت النتيجة وبالاً على وبال.
* طالما أن تلك كانت محصلة عام واحد من الأداء البائس لهذه الحكومة العاجزة الفاشلة، فلماذا تُصِر على الاستمرار؟
* كيف نعبر وننتصر بعد أن لحق الاقتصاد (أمات طه)؟
* لا نرى سبباً واحداً يدعو إلى استمرار هذه الحكومة التي أحرزت العلامة الكاملة، وبلغت قمة النجاح (في الفشل الذريع)، ولا يوجد ما يدفع إلى التمسك بها، مثلما لا يوجد ما يحول دون استبدال فاشليها بكفاءات حقيقية.. اليوم قبل الغد.
بقلم مزمل أبو القاسم
سبتمبر 11, 2020