على مدى أيام مضت، ظل نشطاء سودانيون، يتناولون باحتفاء صورا لأسماك نيلية خرجت من النيل وأصبحت في متناول المواطنين، بوصفها الحسنة الوحيدة التي خلفتها فيضانات هذا الموسم المفجعة.
لكن ما ظنه الشارع السوداني، بأنه خير قد حل عليهم وسط كارثة الفيضانات، وصفه مسؤول حكومي بأنه أكبر مهدد للثروة السمكية في البلاد، لكونه يتيح عمليات الصيد الجائر ويؤدي إلى نفوق كميات ضخمة من الأسماك.
وأوضح وزير الثروة الحيوانية والسمكية المكلف في السودان، عادل فرح، أن الثروة السمكية لا تزيد بسبب الفيضان وإنما ستتناقص مستقبلا، وأن ما أعتبره المواطنين، نعمة، يمثل أكبر نقمة ومهدد لهذا المورد الهام.
فيضانات السودان.. خسائر مليارية تغرق الاقتصاد المنهك
400 مليون دولار منحة من البنك الدولي لمساعدة فقراء السودان
وقال فرح في تصريحات خاصة “للعين الإخبارية” إن “الطمي والاندفاع القوي لتيار النيل يسبب العمى للأسماك ويجعلها غير قادرة على التنفس مما يدفعها للخروج إلى السطح وبالتالي يسهل صيدها بشكل جائر وينفق الكثير منها، مما يهدد الثروة السمكية في المستقبل”.
وأضاف “أسماك النيل الأزرق ونهر النيل على امتداده تعتبر الأكثر تأثرا بالفيضانات لهذا العام.. الفيضان مضر للثروة السمكية في البلاد لأنه لا يأتينا بأسماك من جهات أخرى وإنما يدفع الموجودة عندنا للخروج”.
وأبدى أسفه لعدم امتلاكهم أي احترازات يمكن فعلها لتدارك هذا الخطر، قائلا “نحن لا نملك حتى إحصاءات وتقديرات للثروة السمكية وليس لنا عمليات استزراع لتعويض الفاقد، فقط نعتمد على الصيد الجائر المهدد لهذا المورد”.
وقال إنهم سيشرعون عقب انحسار الفيضانات مباشرة في إعداد دراسات تحوي تقديرات لحجم الثروة السمكية في السودان، وذلك بالتعاون مع منظمة الأغذية العالمية “الفاو”.
وبخلاف ذلك، وجد قطاع مقدر من السودانيين هذه الأيام متنفسا في أسماك الفيضانات والاعتماد عليها في الغذاء في ظل تدهور الأوضاع المعيشية وغلاء أسعار اللحوم الحمراء.
ويقول عبدالكريم سالم 30 عاما “رغم قسوة الفيضانات علينا، إلا أنها سهلت لنا عمليات صيد الأسماك، فخلال بضع دقائق يمكنك استخراج عشرات الكيلو جرامات من السمك والتي ستكفي أهل بيتك وجيرانك لأيام”.
السودان يستورد هذه السلعة بمناقصة لأول مرة في تاريخه
وأضاف سالم وهو من سكان منطقة جبل أولياء على النيل الأبيض جنوبي الخرطوم، “أصبحنا نعتمد على الأسماك بشكل رئيسي في ظل نقص المواد الغذائية الأخرى وغلاء أسعار اللحوم الحمراء”.
وتابع “هذه نعمة حلت علينا، فالأسماك مفيدة للجسم كثيرا، وستعوض برنامجنا الغذائي الذي إختل بسبب هذه الظروف الطارئة”.
ومع انخفاض أسعاره، فإن حالة من الركود أصابت أسواق السمك في العاصمة السودانية، ومرد ذلك، وفق التاجر الصادق علي، إلى خروج الأسماك للأسطح المائية بفضل الفيضان وبمقدور أي شخص اصطياده والحصول على ما يكفيه مجانا.
ويقول الصادق وهو بائع أسماك في سوق السمك بالموردة وسط امدرمان، إن “كيلو السمك انخفض إلى حدود 300 جنيه، ومع ذلك القوة الشرائية ضعيفة للغاية”.
وأضاف “نشاهد الأطفال والشباب يصطادون الأسماك من أطراف النيل ومجاري المياه داخل الأحياء السكنية، لقد أصبحت هذه الحرفة سهلة للغاية وليس حكرا على المتخصصين المحترفين”.
ويتعرض السودان لهذا الموسم لسيول وفيضانات غير مسبوقة، وخلفت خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد.
أظهرت إحصائية حديثة صادرة عن مجلس الدفاع المدني التابع لوزارة الداخلية السودانية يوم الثلاثاء، حجم الخسائر الناجمة عن السيول والفيضانات في العتاد والأرواح، لكن لم يتمكن الدفاع المدني نفسه من تحديد حجم الضرر بالمبالغ النقدية.
وقال الدفاع المدني في نشرة دورية إطلعت عليها “العين الإخبارية” إن السيول أدت لمقتل 103 أشخاص، وإصابة 50 آخرين، وإنهيار 27341 منزلا كليا، و42210 منازل جزئيا.
وأشارت النشرة إلى تضرر 4208 فدان زراعي، و179 مرفقا عاما، و359 متجرا ومخزنا ونفوق 5482 رأسا من المواشي.
بوابة العين الأخبارية