• قفز هذا السؤال إلي ذهني وأنا أتابع في ذهول استجابة مايسمي بالمجتمع الدولي لصرخة السودان وهو ينادي الدنيا كلها بأننا في وضع كارثي لم تشهده بلادنا منذ مائة عام ..
• مشاهد المنازل المدمّرة .. والبيوت المهدمة .. والمزارع الغارقة والناس البسطاء الذين يحملون ماتبقي من حطام بيوتهم ذاهبين إلي المجهول مع تيار السيول الجارف ..هذه المشاهد أدمت قلوب أهل السودان كافة ..
• يجتمع كل أهل السودان علي حب النيل الدفاق .. لا يلومونه علي تمرده النبيل .. يغسلون أحزانهم في لجته .. ينتفعون من مياهه العذبة في سقي زرعهم والضرع ..
• عندما تتجاوز مصائب النيل وكوارثه طاقة حبهم له .. عندها يضعون كل ألوان طيفهم وخلافهم السياسي والعقدي والإجتماعي .. يتجاوزون فوارقهم المادية والإثنية والمناطقية .. يرمونها (وسط البحر) ويلبسون لوناً واحداً لاثاني له .. لون السودان الوجداني والإنساني .. وهذا عين مايحدث الآن ..
• علينا تناسي كل خلافاتنا السياسية .. علينا تجاوز كل خصوماتنا العارضة .. فيضانات هذا العام ليست مسؤولية الحكومة القائمة وحدها .. هذا نتاج تراكم سنوات طويلة من فشل حكومات سودانية متعاقبة لم تحسن التعامل مع فيضان النيل وخروجه عن مساره بطريقة إستراتيجية تلجم تمرد شريان حياة السودانيين وعبوره الضفة الأخرى من سنةٍ لأخري ..
• هذه مصيبة تستوجب جلوس السودانيين جميعاً علي تروس المواجهة لنجدة المكلومين وتخفيف فاجعتهم الماثلة .. هذا ليس وقت التلاوم وتبديد طاقاتنا في التنابز السياسي والشتيمة التي لا تسمن ولا تغني من جوع !!
• هذا وقت غسل أحزاننا .. وتناسي مواقفنا السياسية علي آخر خط من خطوط فيضان النيل العنيد ..
• إن لم تفلح مصائب الداخل في توحيد وجداننا ورؤيتنا لحل هذه المشكلة العارضة .. فعلينا أن ننظر إلي طريقة تعامل وتعاطي من نسميهم الأصدقاء والأشقاء مع الكارثة التي حلت بنا ..
– مصر أرسلت إلينا طائرتين محملتين بالأدوية والمشعمات وأرفقت معهما عشرين طبيباً مصرياً وكأنها لا تعلم أن عدد الأطباء في السودان يتجاوز ال50 ألف طبيباً .. وطبيبة هذا غير كبار الاختصاصيين الذين يسدون عين الشمس بطول بلادنا وعرضها ..
– دولة الأمارات العربية واستنا ببضع معينات غذائية ودوائية تقل مئات المرات من تلك التي حملتها طائرة طيران الإمارات إلي دولة الكيان الصهيوني في زيارة سرية قالت عنها أبوظبي إنها طائرة تحمل معينات للسلطة الفلسطينية لمواجهة جائحة كرونا وهو مانفته حكومة عباس أبو مازن التي قالت إنها لاعلم لها مسبقاً بالرحلة التي دشّنت رحلات التطبيع مع دويلة إسرائيل عبر الأجواء السعودية !!.
– تخلّت عنّا حاضنتنا العربية والإسلامية .. صارت تتفرج علينا ونحن نعافر وسط السيول وخبوب الطين وبقايا منازلنا ونفوسنا المتداعية بفعل مياه الفيضان وحزن الدواخل المتعبة !!
– رمي المجتمع الدولي في وجهنا ب500 ألف دولار .. نعم فقط 500ألف دولار وضعوها في حساب الهلال الأحمر السوداني دعماً لجهده الإنساني في مواجهة الكارثة .. حدث هذا في مقر الأمم المتحدة التي قال ممثلها إنهم سيواصلون دعمهم لنا في مقبل الأيام !!.
– نعم .. رموا في وجهنا 500 ألف دولار وهو ذاته المبلغ الذي هرب به سائق عربة بنك سوداني قبل أيام قبل أن تفك الشرطة السودانية طلاسم الحادثة وتعيد المبلغ إلي البنك !!
– المجتمع الدولي الذي صفعنا بهذا المبلغ الجبان هو ذاته المجتمع الدولي الذي قدم لأشقائنا في اليمن ( وهم يستحقون كل خير وعون ) 500 مليون دولار (كااااش) لمواجهة وباء الكوليرا اللعين قبل أن يتنادي العالم ذاته لمؤتمر إسفيري جمع أكثر من 8مليار دولار لأهل اليمن السعيد لتعينهم في مصيبة الكوليرا .. والكرونا ..
– لم يتفاعل العالم بالكارثة التي حلّت بنا .. كارثة تتجاوز في فداحتها تفجير بيروت الدامي الذي غاب من نفذوا جريمته النكراء وسط غبار حطام عماير بيروت وضجيج طائرات الإغاثة ووفود المجتمع الدولي التي هرعت للتخفيف من مصيبة لبنان وتقديم أكثر من 90 مليار دولار للتخفيف من وقع المصيبة .. بينما يرمون في وجهنا ب500 ألف دولار نجد أكثر منها في خزينة أصغر تاجر عملة بقلب العاصمة السودانية الخرطوم !!.
– لماذا يتأخر العالم عن دعمنا والوقوف بجانبنا في مصائبنا المتتالية .. لماذا يتواطؤون علي خنقنا بحبل العقوبات الأمريكية التي لاتزال تلتف حول رقبتنا رغم سقوط البشير وذهاب عهده وحضور حكومة جديدة نصف وزرائها من حملة الجوازات الأمريكية والنصف الآخر من الناشطين في المنظمات الدولية التي كانت تسارع إلي الحديث بإسمنا في الضراء .. واليوم تصمت ذات المنظمات وتتواري عن دعمنا في كارثة السيول والفيضانات التي لم يشهدها السودان منذ مائة عام ..
• مايحدث لنا هذه الأيام يكشف عن أزمة حقيقية في طريقة تعامل العالم الخارجي معنا كسودانيين يجمعهم وطن إسمه السودان وإن تفرقت بهم دروب الآيدولوجيا وألوان الطيف السياسي والإثني ..
• لماذا يتأخر العالم عن مواساتنا ؟!
• نحتاج كسودانيين للبحث عن إجابة لهذا السؤال بعيداً عن مواقفنا وقناعاتنا وأرائنا في شأن السياسة والإقتصاد ..
• ربما يرانا الآخرون أمة تافهة لا تستحق أكثر من 500 ألف دولار في وجه كارثة حلّت بديارنا بعد مائة عام وأحدثت خراباً ودماراً قالت كل قنوات العالم ووسائل إعلامه إنه الأكثر مأساوية بين كل الكوارث التي شهدتها الكرة الأرضية في تاريخها الماثل !!
• أعيدوا التأمل في عنوان سطورنا هذه !!.
عبد الماجد عبد الحميد